قمة سان فرانسيسكو.. هل تكون جيدة لبايدن وشى؟

قضايا إستراتيجية
قضايا إستراتيجية

آخر تحديث: الأحد 29 أكتوبر 2023 - 10:15 م بتوقيت القاهرة

حقق اجتماع بايدن وشى فى بالى، العام الماضى، على هامش قمة العشرين إنجازات ضئيلة، إذ تجمدت بعد أقل من ثلاثة أشهر من القمة العلاقات الدبلوماسية الأمريكية الصينية عقب حادثة المنطاد. ومع ذلك، يمكن أن تمثل قمة منتدى التعاون الاقتصادى لدول آسيا والمحيط الهادئ، الشهر المقبل فى سان فرانسيسكو، فرصة ثانية. فى ضوء ذلك، نشر موقع Project Syndicate مقالا للكاتب ستيفن روتش، ذكر فيه أن قمة سان فرنسيسكو ستكون على الأغلب مجرد حدث إعلامى، لكن على الطرفين عدم إهدار الفرص ويمكن أن تكون القمة ناجحة إذا ما ركزت على أهداف قابلة للتحقق، وليس مجرد شعارات، مثلا أن تعمل على تحسين علاقات الشعبين الصينى والأمريكى بإعادة فتح قنصليتى البلدين، أو التأكيد على الأهداف المشتركة كتغير المناخ والصحة العامة، والأهم استئناف الاتصالات العسكرية بين الطرفين بعد تعليقها عقب زيارة نانسى بيلوسى، رئيسة مجلس النواب الأمريكى السابقة، لتايوان... ونعرض من المقال ما يلى:
تتوجه كل الأنظار الآن صوب الاجتماع المقبل بين قادة منتدى التعاون الاقتصادى لدول آسيا والمحيط الهادئ، الذى تستضيفه سان فرانسيسكو فى الفترة من الحادى عشر إلى السابع عشر من نوفمبر. والسبب وجيه: حيث يتجلى احتمال لقاء الرئيس الأمريكى جو بايدن والرئيس الصينى شى على هامش هذا التجمع الإقليمى، بعد مرور عام كامل على آخر قمة جمعت بينهما فى بالى عشية قمة مجموعة العشرين السنوية.
شهد اجتماع بالى قدرا ضئيلا من الإنجاز. ورغم أن بايدن وشى اتفقا على وضع «أرضية» لتثبيت العلاقات الصينية الأمريكية المتدهورة، فإن النتيجة لم تكن مستقرة على الإطلاق. فبعد أقل من ثلاثة أشهر من قمة بالى، تسبب إسقاط الولايات المتحدة منطاد مراقبة صينيا فى تجميد العلاقات الدبلوماسية بشكل مؤقت، وأعقب ذلك فرض عقوبات إضافية على التكنولوجيا الصينية، فضلا عن وقوع صدامات وشيكة عديدة بين أقوى جيشين فى العالم. من ناحية أخرى، عمل الكونجرس الأمريكى على تأجيج الخلاف بشأن تايوان، واتهم شى الولايات المتحدة بتنفيذ سياسة «الاحتواء الـمحـكَـم».
• • •
ربما تكون قمة أخرى تجمع بين بايدن وشى فرصة ثانية مطلوبة بشدة. ويبدو أن كلا الجانبين يجتهدان فى التحضير لها. خلافا لاجتماع بالى، يجب أن يكون سيناريو قمة سان فرانسيسكو مكتوبا على النحو الذى يضمن لها النجاح. فى ظل المتاعب الخطيرة التى تمر بها العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، ومع الحاجة الماسة إلى الزعامة فى عالم تمزقه الحروب، ينبغى للقمة المقبلة أن تسعى إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية.
الأول يتمثل فى التركيز على الأهداف القابلة للتحقق. على الرغم من نفور أمريكا من التعامل مع الصين لأسباب تحريفية ــ فى واقع الأمر، إلقاء اللوم عن الصراع الحالى على عقود من «الاسترضاء» بدأت عندما انضمت الصين إلى منظمة التجارة العالمية فى عام 2001 ــ فمن الأهمية بمكان أن نعمل على إيجاد أرضية مشتركة يُعاد عليها تأسيس الحوار البناء.
يجب أن يكون التركيز أقل على الشعارات ــ «أرضية» العام الماضى أو «إزالة المخاطر» هذا العام ــ وأن يركز بشكل أكبر على أهداف واضحة وقابلة للتحقق. وقد يشمل هذا إعادة فتح القنصليات المغلقة (على سبيل المثال، القنصلية الأمريكية فى تشنجدو والقنصلية الصينية فى هيوستن)، وتخفيف متطلبات الحصول على التأشيرات، وزيادة الرحلات الجوية المباشرة (24 رحلة أسبوعيا الآن، مقارنة بأكثر من 150 قبل كوفيد)، واستئناف التبادلات الطلابية الشعبية (مثل برنامج فولبرايت).
الواقع أن تحسين العلاقات بين الشعبين ــ وهو ما يستطيع الرئيسان معالجته بسهولة إذا كانا جادين بشأن العودة إلى المشاركة ــ يُـفـضى غالبا إلى تخفيف العداوة السياسية. ومن خلال اقتطاف الثمار الدانية، يصبح بوسع بايدن وشى أن يفتحا الباب للمحادثات حول مواضيع أكثر إثارة للجدال، مثل تخفيف القيود المفروضة على المنظمات غير الحكومية، وهى الغراء الذى يربط بين المجتمعات، أو التصدى لأزمة الفنتانيل، التى يضطلع فيها البلدان بدور حيوى.
لكن الهدف القابل للتحقق الأكثر إلحاحا يتمثل فى استئناف الاتصالات المنتظمة بين المؤسستين العسكريتين، والتى علقها الصينيون بعد الزيارة التى قامت بها رئيسة مجلس النواب الأمريكى السابقة نانسى بيلوسى إلى تايوان فى أغسطس 2022. كان الخطر الذى فرضه انهيار الاتصالات العسكرية على هذا النحو واضحا بشكل صارخ أثناء الفشل الذريع فى إدارة أزمة المنطاد فى أوائل فبراير، وكذا الحوادث الوشيكة الوقوع مؤخرا بين سفن حربية تابعة للقوتين العظميين فى مضيق تايوان وحادثة الطائرة فوق بحر الصين الجنوبى. مع تصاعد التوترات بين مؤسستين عسكريتين لا تتواصلان، تصبح مخاطر اندلاع صراع عرضى مرتفعة ومتصاعدة.
ثانيا، من الأهمية بمكان أيضا توضيح أهداف طموحة. ويجب أن يؤكد بيان مشترك من بايدن وشى على اعترافهما المشترك بخطرين وجوديين يهددان البلدين: تغير المناخ والصحة العالمية. على الرغم من اللقاء الذى جمع بين المبعوث الرئاسى الأمريكى الخاص لشئون المناخ جون كيرى ومسئولين صينيين كِـبار عدة مرات هذا العام، فقد توقف التعاون فى مجال الطاقة النظيفة، بسبب مخاوف مزعومة تتعلق بالأمن الوطنى على الجانبين. علاوة على ذلك، لا يزال التقدم على مسار الصحة العالمية يواجه عقبات بسبب المسرح السياسى الذى تدور عليه مجادلة محتدمة حول منشأ مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيدــ19).
• • •
بطبيعة الحال، من الصعب أن نتوقع من قمة بايدن وشى أن تحل هذه المشكلات الوجودية. لكن ذِكر هذه المشكلات بالاسم وتحديدها بادرة رمزية مهمة، ودليل على الالتزام المشترك بالإدارة الجماعية لعالم محفوف بالمخاطر على نحو متزايد. هذه هى الحال بشكل خاص مع اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس، والتى تهدد بالامتداد لتتحول إلى صراع إقليمى كبير فى ذات الوقت حيث تمر حرب أوكرانيا بلحظة محورية. بوسع الولايات المتحدة والصين إحداث فارق حقيقى من خلال التوسط فى اتفاقيات سلام تنهى الحربين.
ثالثا، تحتاج العلاقات الصينية الأمريكية إلى بنية جديدة للتبادل والمشاركة. من المؤكد أن اجتماع بايدن وشى فى سان فرانسيسكو الشهر المقبل يُـعَـد تطورا إيجابيا. لكن مؤتمرات القمة السنوية ليست كافية لحل صراعات عميقة الجذور بين قوتين عظميين.
• • •
يقول كاتب المقال إنه لفترة طويلة كان يفضل التحول من الدبلوماسية الشخصية التى تحدث خلال اجتماعات نادرة بين قائدين إلى نموذج مشاركة مؤسسى يوفر إطارا دائما قويا لاستكشاف الأخطاء وإصلاحها على نحو مستمر. يحقق اقتراحه بإنشاء أمانة عامة مشتركة بين الولايات المتحدة والصين مثل هذا الاحتمال. ولكن على الرغم من استقبال هذه الفكرة بشكل إيجابى فى الصين، فلم يُـظـهِـر صناع السياسات فى أمريكا أى اهتمام بها. الواقع أن النائب الأمريكى مايك جالاجر، الذى يتولى منصب رئيس اللجنة المعينة الجديدة بشأن الصين، يقرع طبول «خِـطبة الميت الحى»، محذرا من أن جهود إعادة التواصل مع الصينيين قد تؤدى إلى زوال أمريكا.
من ناحية أخرى، يشعر كاتب المقال بالتفاؤل بعد إنشاء أربع مجموعات عمل أمريكية صينية جديدة ــ نتيجة للجهود الدبلوماسية التى شهدها هذا الصيف. لكن هذا ليس كافيا بأى حال من الأحوال، وخاصة عندما نقارنه بمجموعات العمل الست عشرة العاملة التى أنشئت تحت مظلة اللجنة المشتركة المعنية بالتجارة والتبادل، التى حلتها إدارة ترامب فى عام 2017.
• • •
غالبا ما تُـعَـد مؤتمرات القمة بين القادة الوطنيين مجرد أحداث إعلامية. من المؤسف أن هذه كانت الحال العام الماضى فى بالى. ولا تملك الولايات المتحدة ولا الصين ــ ناهينا عن بقية العالَـم ــ ترف التوصل إلى نتيجة تافهة مماثلة هذا العام فى سان فرانسيسكو. لقد أصبحت نافذة الفرصة المتاحة للعمل الجماعى ضيقة على نحو متزايد. ولا يجوز أبدا إهدار أى فرصة للتوصل إلى اتفاق بين بايدن وشى على أهداف واقعية قابلة للتحقق، والتأكيد على أهداف طموحة، وإرساء الأساس لبنية جديدة للمشاركة.

النص الأصلى:

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved