هل تتحول إسرائيل الكبرى إلى فلسطين الكبرى؟
صحافة عالمية
آخر تحديث:
السبت 29 نوفمبر 2014 - 8:50 ص
بتوقيت القاهرة
كتب هنرى سيجمان، رئيس مشروع الولايات المتحدة والشرق الأوسط والمدير الوطنى السابق للمؤتمر اليهودى الأمريكى، مقالا نشر بموقع هافنجتون بوست الأمريكى. استهل سيجمان مقاله قائلا: «لم يكن مستقبل الإسرائيليين والفلسطينيين أبدا أكثر قتامة مما هو عليه الآن، فى أعقاب الهجوم الوحشى الذى نفذه فلسطينيان على المصلين اليهود فى كنيس القدس».
وأضاف، كان وقع الصدمة شديد الوطأة على الإسرائيليين، لأن الفلسطينيين فى الضفة الغربية عاشوا لفترة فى حالة يأس من مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، معتقدين أن الاحتلال الإسرائيلى لن ينتهى. فى المقابل، يعتقد العديد من الإسرائيليين أن تجاهل ملايين الفلسطينيين فى الضفة الغربية لحقهم فى تقرير المصير وإقامة الدولة، حالة مستمرة. وقد حطم الاعتداء على كنيس القدس هذا الوهم. ويعانى الإسرائيليون الآن من نوع من انعدام الأمن واليأس، الذى يشعر به الفلسطينيون فى الأراضى المحتلة، وأيضا العرب فى إسرائيل، وخاصة المقيمين فى القدس الشرقية.
•••
وأشار سيجمان إلى ما كتبه آرى شافيت فى صحيفة هاآرتس، أن مجزرة الكنيس أكثر «مدعاة للقلق» حتى من أعمال العنف التى وقعت خلال الانتفاضة الثانية، ويؤكد ذلك بقوله: «أنها هذه المرة «صراع دينى» بالفعل. فنحن نتحدث عن شن حرب مقدسة على المدينة المقدسة. وهى فكرة مقبولة على نطاق واسع من وسائل الإعلام فى كل مكان».
ويرى سيجمان أن ذلك تصوير غير دقيق للوضع، وخصوصا فى ضوء إشارة شافيت الخاصة إلى مجزرة باروخ جولدشتاين التى أسفرت عن مقتل 29 مصليا العربية وجرح 125 آخرين فى عام 1994 فى مسجد قبر البطاركة بالخليل. ولم يخل الصراع بين إسرائيل وفلسطين منذ بدايته من أصداء الكتب المقدسة والدينية، حتى بالنسبة لأعتى العلمانيين. ويبدو شافيت غافلا عن سلسلة من تدنيس المساجد بأيدى من يدعون فتيان التلال (الذين لا تعثر عليهم ابدا وكالات الاستخبارات الإسرائيلية فائقة الكفاءة، ناهيك عن اعتقالهم ومعاقبتهم).
ويضيف قائلا: «بل إن هذا الشعور الجديد بانعدام الأمن لدى قطاع من اليهود فى إسرائيل ينبع من حقيقة أن الإرهاب الفلسطينى لم يعد لديه عنوان مركزى، مثل حماس أو الجهاد الإسلامى. وقد اعترفت الأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية علنا بأن نجاحها فى احتواء الإرهاب من تلك المنظمات لا يمكن أن ينطبق على أعمال العنف التى يرتكبها بصورة عفوية «الذئاب المنفردة»، وهى تزداد بشكل كبير وقد تؤدى إلى انتفاضة شعبية أخرى».
ويرى سيجمان أن رد فعل الكثيرين من اليهود الإسرائيليين إن لم يكن معظمهم يتمثل على أحدث الفظائع، فى أن الفلسطينيين قضوا على نضالهم من أجل إقامة دولة ذات سيادة فى أراضى ما قبل عام 1967. ولن يكون هناك من يلقى باللوم على نتنياهو لحرمانه الأشخاص الذين يرتكبون مثل هذه الفظائع البشعة والذين يحتفلون بالقتلة كما فعلت حماس وفلسطينيين آخرين من حق إنشاء دولة.
ويقول سيجمان أن هذه وجهة نظر الإسرائيليين الذين يعتبرون منذ فترة طويلة الفلسطينيين، والعرب عموما، سلالة من البشر أدنى مرتبة منهم. وهو منظور يفسر عدم اكتراث هذا العدد الكبير من اليهود الإسرائيليين بحقيقة أن هذه المأساة وقعت بعد أسابيع فقط من اجتياح إسرائيل أجزاء كبيرة من قطاع غزة، راح ضحيته ألفان و200 فلسطينى، معظمهم من غير المقاتلين، بينهم أكثر من 500 طفل، وهى مذبحة يريد غالبية الإسرائيليين أن يواصلها نتنياهو؛ مع الاغتيالات التى لا تنتهى للمدنيين داخل قطاع غزة الذين يتواجدون فى أى مكان بالقرب من السياج الذى يسجنهم؛ ومظاهر الحرمان اليومية والإهانات التى لحقت بالفلسطينيين فى الضفة الغربية والقدس الشرقية. وإلى اعتداءات شبان التلال على المساجد الفلسطينية، والمنازل وبساتين الزيتون فى الضفة الغربية التى تمر من دون عقاب. وحتى يومنا هذا، يعتبر القاتل باروخ جولدشتاين قديسا بالنسبة للإسرائيليين الذين حولوا قبره إلى مزار دينى.
ويستطرد قائلا: «إذا وضعنا فى الاعتبار الطريقة التى انتقم بها اثنان من اليهود الإسرائيليين لمقتل ثلاثة شباب إسرائيليين برصاص الخاطفين الفلسطينيين ــ عبر سكب البنزين داخل حلق شاب عربى مخطوف وإشعال النار فى جوفه ــ لن نجد فارقا بين الوحشية القاتلة من كلا الجانبين، إلا أن الفلسطينيين، وليس الإسرائيليين، هم من عاشوا لمدة نصف قرن تقريبا تحت الاحتلال الوحشى».
ويعود فيقول: «يبدو أن عدم قدرة معظم الإسرائيليين على ممارسة أى مراجعة للذات، أعمتهم عن المظالم التى تسببوا بها لشعب يخضع لسيطرتهم. ولا يبرر هذا، بطبيعة الحال، عنف الفلسطينيين ضد المدنيين فى إسرائيل ــ وبالمثل، لا يمكن تبرير الجرائم التى ارتكبها الجيش الإسرائيلى ضد المدنيين الفلسطينيين فى حرب الاستقلال. وحتى أولئك الذين يعتبرون أنفسهم من اليسار الإسرائيلى، ومنهم آرى شافيت فى كتابه «أرض الميعاد: انتصار ومأساة إسرائيل» والصحفى والمؤرخ بنى موريس، يؤكدون على ضرورة النظر إلى جرائم حرب اليهودية هذه، باعتبارها أمرا لا مفر منه، فبدونها لم يكن من الممكن قيام الدولة اليهودية. وسوف تنطبق هذه التبرئة أيضا على الجرائم التى يرتكبها الفلسطينيون، فهم مازالوا مثلهم مثل اليهود فى عام 1948 يناضلون من أجل إقامة دولتهم، ولكن يبدو أنهم خارج اهتمام شافيت وموريس».
فإذا كانت مجزرة معبد القدس ستجعل الحلم الفلسطينى بإقامة دولة حلما بعيد المنال، فسوف تحول أيضا الوهم الإسرائيلى باستدامة الاحتلال إلى كابوس. فكلما صار توقع المعتدلين الفلسطينيين أن الوسائل السلمية يمكن أن تؤدى إلى حل الدولتين ميئوسا منه، سيزيد عدد الفلسطينيين الذين يؤمنون بأن العنف هو السبيل الوحيد لتغيير حسابات التكاليف والفوائد الإسرائيلية لسرقة الأراضى الفلسطينية فى الضفة الغربية والقدس الشرقية.
•••
ويختتم سيجمان المقال بقوله: «لا شك أن العنف الفلسطينى ضد غير المقاتلين أضر بمصداقية القضية الوطنية الفلسطينية. ولكن يمكن القول إنه قد يفيد الفلسطينيين، كما استفاد اليهود من العنف فى الحرب على الاستقلال، لأنه حقق هدف بن جوريون بالتسبب فى فرار أكثر من 700 الف فلسطينى. فربما يخدم العنف الفلسطينى على نحو مماثل فى دفع الكثير من العناصر إسرائيل الإبداعية والإنتاجية للتخلى عن الدولة اليهودية وتجديد حياتهم فى الشتات، وهو رد فعل غير ملحوظ بالفعل».
وقد نجح المشروع الاستيطانى الإسرائيلى فى إقامة إسرائيل الكبرى «من النهر إلى البحر» واقعيا. ولكن بمرور الوقت، من المرجح أن يؤدى هذا النجاح إلى تحول إسرائيل الكبرى إلى فلسطين الكبرى. وكما حذر يوفال ديسكين، وهو رئيس سابق للشين بيت، فإن ما يسميه انتفاضة القدس تعطى لمحة عن نوع المستقبل الذى يقود اليمين إسرائيل إليه.