هل تعود «صفقة القرن» إلى الواجهة مع رجوع دونالد ترامب إلى البيت الأبيض؟
قضايا إقليمية
آخر تحديث:
الجمعة 29 نوفمبر 2024 - 7:20 م
بتوقيت القاهرة
يعود دونالد ترامب للبيت الأبيض من جديد مستأنفا فترته الرئاسية السابقة والكثير من الملفات التى عمل عليها آنذاك، ومن أبرزها مقترحه للسلام فى الشرق الأوسط الذى لم يُعمل به فى حينه.
تأتى ولاية ترامب الثانية على وقع حرب تجاوزت العام فى قطاع غزة خلفت واقعا مختلفا عمّا كان الأمر عليه منذ 4 أعوام، لتطرح تساؤلات عما إذا كانت خطته المعروفة إعلاميا بـ«صفقة القرن» قابلة للتطبيق مستقبلا.
لم يرض الجانب الفلسطينى بالخطة ورأى فيها تناقضا مع الحقوق الفلسطينية المستندة إلى القانون الدولى بخاصة فى مسائل الحدود واللاجئين والقدس، لكن ترامب اعتبر أن الخطة «ربما تكون فرصة أخيرة» للشعب الفلسطينى، أما رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو فقال حين الإعلان عن الخطة: «صفقة القرن هى فرصة قرن، ولن نفوتها».
تذهب ترجيحات محللين سياسيين باتجاه إعادة ترامب طرح خطته للسلام فى الشرق الأوسط فى ولايته المقبلة، لكن النقاشات تكثر حول إمكانية إعادة طرحها بصيغة جديدة.
• • •
فى 28 يناير 2020، أعلن ترامب خطته للسلام فى الشرق الأوسط التى تشير لإقامة دولة فلسطينية بشروط صارمة، وضمّ إسرائيل لمستوطنات الضفّة الغربية وغور الأردن وعدم تطبيق حق العودة للاجئين الفلسطينيين.
وأعطت الخطة الفلسطينيين الحقّ بإقامة دولة، إنما بشروط منها الاعتراف بإسرائيل كـ«دولة يهودية» و«الرفض الصريح للإرهاب بكل أشكاله». الدولة المقترحة «منزوعة السلاح»، وتمتلك إسرائيل مسئولية الأمن ومراقبة المجال الجوى فى المنطقة الواقعة غرب غور الأردن، فى حين ستكون حركة حماس التى تسيطر على قطاع غزة «منزوعة السلاح». ووفق الخريطة المقترحة فى ذلك الوقت، فإن الدولة الفلسطينية لن تقام على كامل الأراضى الفلسطينية المحتلة من إسرائيل عام 1967، ولن تكون متصلة.
تؤكد الخطة على أن القدس «ستبقى عاصمة غير مقسّمة لإسرائيل»، أما العاصمة الفلسطينية فيجب أن تكون فى جزء من القدس الشرقية، وترى الخطة أن «العاصمة الفلسطينية يمكن أن تكون فى كفر عقب والجزء الشرقى من شعفاط وأبو ديس، ويمكن تسميتها بالقدس أو أى اسم آخر تحدده دولة فلسطين».
لم تنص الخطة على حق اللاجئين الفلسطينيين فى «العودة إلى ديارهم»، واقترحت ثلاثة خيارات وهى العودة إلى الدولة الفلسطينية الجديدة، أو الاندماج فى الدول المضيفة لهم، أو توزيعهم على دول راغبة فى منظمة التعاون الإسلامى.
فيما يتعلق بالحرم القدسى الشريف فى القدس فسيبقى «الوضع كما هو وستواصل إسرائيل حماية الأماكن المقدسة فى القدس وضمان حرية العبادة للمسلمين والمسيحيين واليهود والديانات الأخرى، ويحتفظ الأردن بموجب الخطة بمسئولياته على المسجد الأقصى فى القدس».
• • •
يرى الكاتب والباحث فى الشئون الإسرائيلية، نظير مجلى، فى مقابلة مع بى بى سى أن احتمالات عودة الخطة كبيرة، لكن ليس بالضرورة أن تعود بنفس الشكل والمضمون.
أما الأستاذ فى معهد الشرق الأوسط فى واشنطن حسن منيمنة فيقول: «سنشهد عودة لصفقة القرن بصيغة مجددة معدلة.. وترامب سيقدم ما قد يسوق على أنه صفقة القرن 2». ويرى فى حديثه لبى بى سى، أن مضمونها سيسعى إلى «الانتهاء بشكل قاطع ونهائى وجذرى من مسألة الحقوق السياسية للفلسطينيين، والاكتفاء ببعض الحقوق الاقتصادية».
من جهته، يعتقد المحلل السياسى عامر السبايلة أن الخطة بصيغتها القديمة «لم تعد صالحة»، والمتغيرات على الأرض حاليا يمكن أن تكون أساسا فى طروحات جديدة.
ووفق رؤية مجلى، فإن «ترامب يفكر فقط بطريقة الصفقات، ويفترض أنه درس الأمور بشكل أفضل وسيدخل فى نقاشات وسيتأثر بمجموعة المساعدين الذين بغالبيتهم مؤيدين للفكر الصهيونى».
ويشير مجلى لوجود أطراف أخرى تؤثر فى الخطة وهم الفلسطينيون والدول العربية والإسلامية، والوضع على الأرض، والتدهور الذى يهدد السلام الإقليمى والعالمى.
• • •
مجلى المختص بالشأن الإسرائيلى، يرى أن «حل الدولتين هو الحل الأمثل، فمسألة حل الدولتين لا تزال الحل الواقعى والملائم، رغم أن الحكومة الإسرائيلية الحالية هى ليست حكومة سلام».
ويؤيد الكاتب والباحث السعودى مبارك العاتى الطرح ذاته، قائلا لبى بى سى إن «حل الدولتين هو الخيار الذى لا يزال مطروحا، نظرا لأنه راعى مصالح الجميع، وينص صراحة على مبدأ وجود الدولة الفلسطينية، وهى النقطة الأهم بالنسبة للجانب العربى».
هل ستضم إسرائيل الضفة الغربية؟
بعد أن نصت خطة ترامب على ضم أراض واسعة من الضفة الغربية التى تحتلها إسرائيل، يتوقع السبايلة أن إسرائيل ستستغل عملية إعادة رسم الجغرافيا الأمنية لإعادة رسم الحدود وضم أراض وتوسيع حدودها، وخلق مناطق عازلة جديدة فى الشمال وفى الجنوب، وكل حدودها.
واختار ترامب، حاكم أركنساس السابق، مايك هاكابى، ليكون سفير الولايات المتحدة المقبل لدى إسرائيل، والذى قال فى عام 2017: «لا يوجد شىء اسمه الضفة الغربية، إنها يهودا والسامرة. لا يوجد شىء اسمه مستوطنات، إنها مجتمعات، إنها أحياء، إنها مدن. لا يوجد شىء اسمه احتلال».
أما منيمنة يتحدث عن دفع باتجاه إعلان السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، مع استثناءات على مناطق تضم تجمعات سكانية فلسطينية، قد لا تعلن عليها السيادة بالشكل الكامل.
خلال الشهر الحالى، أعلن الوزير الإسرائيلى المسئول عن المستوطنات بالضفة الغربية، فى وزارة الدفاع الإسرائيلية بتسلئيل سموتريتش، إصدار تعليمات إلى وزارته لبدء الاستعدادات نحو فرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على المستوطنات فى الضفة الغربية.
أكثر من مجرد تطبيع سياسى
قال العاتى، فى حديثه لبى بى سى، إن «السعودية ترى أن أى تطبيع بينها وبين إسرائيل ليس تطبيعا سعوديا إسرائيليا بقدر ما هو تطبيع بين العالم الإسلامى وبين اليهودية، أى أنه تطبيع دينى كما هو سياسى، وهذا سيفرض على السعودية بالفعل أن تتمسك بشكل قوى بمبدأ حل الدولتين».
من جهته، يقول الكاتب والباحث فى الشئون الإسرائيلية نظير مجلى «رغم إمكانية عدم قبول الفلسطينيين لتطبيع أى دولة عربية مع إسرائيل، إلا أنه وفى الوقت الحالى يجب أن تكون النظرة للموضوع مختلفة». ويرى مجلى أن «الدول التى تطبع مع إسرائيل دول مستقلة لديها حساباتها ومصالحها، ويجب عدم تدخل الفلسطينيين بها، فإذا رأوا أن مصالحهم تقتضى إقامة علاقات مع إسرائيل، هذا شأنهم، وإذا رأى الفلسطينيون أن هذه العلاقات قد تمس فى حقوقهم الوطنية، يلفتون نظر تلك الدول بشكل ودى». ويرى ضرورة فى «استثمار هذه العلاقات لمصلحة التحرر من الاحتلال الإسرائيلى وإقامة الدولة الفلسطينية.. ويمكن للفلسطينيين مساعدتهم بذلك من خلال طرح أفكار».
«واشنطن لا تزال تراعى عمّان والقاهرة»
فى ظل تخوفات أردنية ومصرية من أى تبعات أو أدوار تتعلق بخطة ترامب المقبلة للسلام خاصة بشأن إمكانية تهجير الفلسطينيين والفلسطينيات إلى البلدين، يرى منيمنة أن الموقف الأمريكى الرسمى لا يزال يراعى إصرار القاهرة وعمّان على «عدم تحمل أعباء تصفية المسألة الفلسطينية ورفض أى تسوية يمكن أن تؤدى إلى دفع الفلسطينيين باتجاه المغادرة نحوهما».
أما السبايلة، فيشير لبدء تكيف مع سياسة الأمر الواقع، بعد أن رفض الجميع الحرب فى غزة والسيطرة على شمال القطاع وحدود رفح. ويعتقد أن «الجميع فى السنوات القادمة سيجد نفسه أمام فكرة الحل العملى التى يرسمها الواقع والشكل الجديد للجغرافيا التى سترسمها إسرائيل».
وحين طرح «صفقة القرن»، حذر الأردن على لسان وزير خارجيته أيمن الصفدى من «التبعات الخطيرة لأى إجراءات أحادية إسرائيلية تستهدف فرض حقائق جديدة على الأرض»، وأكد التمسك بحل الدولتين على أساس حدود 1967. وقالت الخارجية المصرية إن «القاهرة تنظر لأهمية المبادرة الأمريكية من حيث تسوية القضية الفلسطينية وفق الشرعية الدولية ومقرراتها».
يتحدث منيمنة عن رؤية متنامية فى دوائر مراكز الأبحاث الأمريكية المؤيدة لإسرائيل مفادها أن على الدول العربية تحمل مسئولياتها الإنسانية تجاه الشعب الفلسطينى، ولا بد لهذه الدول من قبول استيعابهم. «نحن أمام مرحلة قد تشهد قدرا من الضغوط بهذا الاتجاه»، بحسب منيمنة.
يحيى كناكريه وحسام العسال
موقع بى. بى. سى نيوز عربى