جغرافيا العنف
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الأحد 29 ديسمبر 2013 - 8:55 ص
بتوقيت القاهرة
منذ أسبوعين، كنت ببيروت للمشاركة فى مؤتمر للأمم المتحدة بشأن قضايا العدالة الاجتماعية والحراك السياسى فى العالم العربى. إقامتى كانت بفندق فينسيا الكائن بوسط المدينة وحركتى خلال أيام المؤتمر من الفندق إلى مبنى الأمم المتحدة (الكائن بميدان رياض الصلح، وسط المدينة) كانت سيرا على الأقدام ومرورا بمنطقة ستاركو ذات المبانى السكنية والإدارية والتى حدث بها التفجير الإرهابى الأخير الذى أوقع ضحايا من بينهم وزير المالية الأسبق محمد شطح وأصاب الكثيرين.
منذ أربعة سنوات، كنت فى لقاء مع رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق فؤاد السنيورة وكان من بين الحضور محمد شطح الذى جمعنى به بعد ذلك أكثر من لقاء سياسى أو أمسية فكرية. فى حفريات الذاكرة بعض متفرقات من الحوارات معه ترتبط بخوفه على تماسك الدولة اللبنانية والقوى الطائفية تصادر قدرتها على ممارسة السيادة داخليا وخارجيا وقلقه على العيش المشترك فى وطن يلزمه التنوع بالوسطية والاعتدال والابتعاد عن عبث الأطراف الإقليمية والخارجية به.
منذ بضعة أشهر، كنت بالمنصورة (محافظة الدقهلية) للمشاركة فى ندوة عامة عن الأوضاع السياسية فى مصر وضرورة إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. نعم، كانت الندوة قبل ٣٠ يونيو ٢٠١٣ ودعوتى بها ــ كما فى ندوات أخرى وكتابات كثيرة ــ كانت للانتخابات المبكرة كآلية ديمقراطية نستطيع من خلالها تصحيح المسار المصرى وتوظيف صندوق الانتخابات لإيقاف انزلاق البلاد إلى هاوية اللامحكومية، ولم تكن دعوتى للخروج عن الديمقراطية وتعطيل إجراءاتها. عقدت الندوة فى مكان قريب من مبنى مديرية الأمن بالمنصورة، وفى حفريات الذاكرة هنا أيضا صور متفرقة للمكان ولجغرافيته.
خلال السنوات الثلاث الماضية، تأخذنى مهام التدريس بالجامعة الأمريكية فى القاهرة فى رحلة تتكرر مرتين أسبوعيا من حى الدقى (محافظة الجيزة) إلى التجمع الخامس (محافظة القاهرة)، وكثيرا ما تتعرج الرحلة عبر أحياء وشوارع مدينة نصر (محافظة القاهرة) تفاديا للتكدس المرورى. خلال السنوات الثلاث الماضية، اعتدت على التقاط مشاهد الحياة اليومية فى أحياء وشوارع باتت اليوم أماكن للصدام وللعنف ويعجز سكانها عن استعادة طبيعية الأشياء البسيطة وتلتقطهم عينى الآن وعلى وجوههم مزيج من الأسى والخوف والرغبة فى الحياة.
خلال السنوات الثلاث الماضية، تلاحقنى أخبار العنف كما تلاحقنا جميعا فى مصر. ضحايا يسقطون، شهداء بين المدنيين والعسكريين وقوات الشرطة، اعتداءات على منشآت عامة وخاصة، دور عبادة لم تعد حرمتها ملزمة، بعض أسر مسلمة وبعض أسر قبطية تواجه إجراءات انتقامية وتهديدات مستمرة تدفع بعضها للرضوخ للتهجير الإجبارى، ومشاهد وصور تطاردنى لواقع بائس غريب عنا واعتياده خطر بالغ يتهددنا ويتهدد سلمنا الأهلى والعيش المشترك وحقنا فى الحياة.
تسحقنى جغرافيا العنف والدم والدمار فى مصر ولبنان وعموم العالم العربى بجراحه المتقيحة فى العراق وسوريا والصومال وليبيا، وعقليا تعجزنى وتوقف قدرتى على التفكير والبحث عن مخارج تحافظ على الدولة والمجتمع والمواطن وتباعد بيننا وبين أن يجردنا العنف من إنسانيتنا وتمتهن كرامتنا صراعات سلطة وسياسة بائسة أبدا لا يبتغى أيا من أطرافها صالحنا العام.
غدا هامش جديد للديمقراطية فى مصر.