ليبيا... هل من فترة لالتقاط الأنفاس
سيد قاسم المصري
آخر تحديث:
الأحد 29 ديسمبر 2019 - 9:10 م
بتوقيت القاهرة
مع بداية عام 2019 كانت الترتيبات تجرى على قدم وساق لعقد مؤتمر برلين تحت مظلة الأمم المتحدة وإشراف الوسيط الدولى السيد/ غسان سلامة، وقد تم إعداد اللمسات الأخيرة وسافر جوتيرش أمين عام الأمم المتحدة بنفسه إلى ليبيا والتقى بحفتر والسراج تمهيدا لانطلاق الحدث التاريخى.
كان موقف حفتر التفاوضى ممتازا، ففضلا عن السيطرة الكاملة على الشرق واستقباله بالزغاريد فى الجنوب، كان يتمتع بتأييد القوى العربية الفاعلة مصر والسعودية والإمارات وقوتين فاعلتين على المستوى العالمى.. روسيا من ناحية وفرنسا من ناحية أخرى، كما كانت إيطاليا حريصة على إبقاء جسور التواصل معه.
ويبدو أن ذلك فتح الشهية للمزيد وشوشر على التقدير الهادئ السليم للموقف، فقام بالزحف على طرابلس يوم أول إبريل الماضى معلنا أن العملية لن تستغرق أكثر من أسبوعين يتم خلالها تطهير الغرب من الميليشيات الإرهابية.
***
وها نحن قد وصلنا إلى نهاية العام والوضع لم يحسم بعد والتداعيات الأمنية على دول الجوار وعلى رأسها مصر تزداد خطورة وتدخل فى منعطف جديد.. فقد سنحت الفرصة لتركيا التى تتميز غيظا من النمو السريع لتقارب مصر مع أعدائها التقليديين اليونان وقبرص.. فسارعت بعقد اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا والاتفاق الأمنى الذى بموجبه أعلن أردوغان أنه على استعداد لإرسال قوات دعم إلى ليبيا إذا طلبت حكومة الوفاق «المعترف بها دوليا» ذلك..
ولعل عبارة «الحكومة المعترف بها دوليا» تمثل أهم العقبات أمام تحقيق أهداف المشير حفتر.. كما أنها تعطى غطاء شرعيا لأى تدخل خارجى طالما أنه يحظى بقبول حكومة معترف بها دوليا وتشغل مقعد بلادها فى الأمم المتحدة..
***
من المتعارف عليه فى كل العقائد العسكرية – حتى البدائية منها مثل اقتتال القبائل البدائية – أنك يجب أن تترك لعدوك مخرجا للتراجع وإلا فسيحارب حتى الموت..
والهجوم على طرابلس العاصمة والرمز وازدياد خطر اقتحامها لن يبقى للطرف الآخر شيئا وسيدفعه لتصرفات قد لا يريدها.
لقد كان السراج حذرا فى علاقاته بمصر وحريصا عليها، وفى اعتقادى أنه ما زال لديه شىء من هذا الحرص فقد جاء فى أحدث بياناته إشارات إلى «مصر الشقيقة» والتى يتطلع إليها الجميع «للم الشمل».. مما يشير إلى حرصه على الروابط مع مصر وعدم الوصول إلى مرحلة القطيعة، وأرجو ألا تصل الأمور إلى هذه النقطة، وذلك بأن نعمل جاهدين على عدم الانحياز إلى طرف والعداء السافر للطرف الآخر لتجنب التداعيات التى تترتب على ذلك.
ولقد تجنبت مصر الانجراف إلى الحرب الدائرة فى اليمن بالرغم من أنها كانت فى أكثر لحظاتها التاريخية هشاشة وقابلية للرضوخ للضغوط.
وحرب اليمن هذه هى نموذج على التصاعد غير المحسوب وغير المرغوب فيه، كما أن فى حرب 1967 عبرة وعظة، وهى الحرب التى لم يكن يريدها عبدالناصر ولكنها فرضت عليه فرضا لأنه اتخذ كل الخطوات المؤدية إليها، ولعل الحرب العالمية الأولى هى المثال الكلاسيكى للحرب التى لم يكن يريدها أحد وقد ذَكّرَنَا د. عبدالمنعم سعيد بأنها مسجلة فى التاريخ بهذا التصنيف، وتسارع الأحداث فى الوضع الليبى ينذر بالاندفاع نحو هذه النقطة، نقطة اللاعودة، والخطوة التى تقود إلى خطوة بحيث يصل الأطراف إلى نقطة لا يستطيع أحد التوقف بعدها.
***
وقد شرح غسان سلامة المبعوث الدولى إلى ليبيا الوضع أمام مجلس الأمن فى اجتماع 20 نوفمبر، فاستعرض الوضع العسكرى أولا فذكر أن الوضع يزداد خطورة بدخول عناصر مرتزقة مدربة فى الجبهة، ولكن القتال ما زال قتالا جويا فى المقام الأول (800 غارة لطائرات مسيرة من قوات حفتر و240 هجوما من هذا النوع من الطائرات على قوات حفتر، وقد سقط حوالى 200 قتيل وفر حوالى 128 ألف مواطن من منازلهم منذ 4 إبريل الماضى).
وحذر سلامة بشدة من ترك الأمر عرضة لتدخل قوات أجنبية برية قائلا «إنك إن دعوت قوات أجنبية للتدخل فإن هذا «الضيف» سيمسك بزمام الأمور وتصبح له السيطرة ويخرج الأمر من أيدى الليبيين»، ولذا فإن الأسابيع القليلة القادمة ستكون حاسمة فى تقرير مستقبل ليبيا»، وأضاف أنه يعلق آمالا كبيرة على عملية «برلين» أى مؤتمر برلين المنتظر.
وفى الواقع، لقد بات أمر تدخل القوات التركية الرسمية وغير الرسمية (الإرهابية) وشيكا بعد أن طلبت حكومة طرابلس رسميا من تركيا تقديم العون العسكرى لها وبعد أن طلب أردوغان عقد جلسة طارئة للبرلمان التركى يوم الخميس 2 يناير 2020 لمنحه هذا التفويض، كما افتتحت تركيا مكاتب تجنيد فى المناطق السورية التى تسيطر عليها لتجنيد عناصر من أعضاء هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا والتى تضم عناصر من داعش والقاعدة) للذهاب إلى سوريا.
***
يرى بعض المراقبين أن المشير حفتر يهدف من زحفه نحو طرابلس إلى تحسين موقفه التفاوضى وإحداث تغيير على الأرض لصالحه دون اقتحام العاصمة، بينما يرى فريق آخر أن حفتر لا يؤمن أصلا بالعملية السياسية وأن زحفه نحو طرابلس كان بهدف إجهاض العملية السياسية، وأنه كان فى ذلك يحاكى زحف العقيد القذافى العكسى من طرابلس إلى بنغازى وهى العملية التى أجهضتها الغارات الجوية لحلف الأطلنطى فى مارس 2011.
وأيا كانت أهدافه الحقيقية فإنه يتعين على مصر تدارك الأمر قبل انهياره وقبل تحول الوضع إلى وضع مماثل لسوريا وتدخل القوات الأجنبية النظامية وغير النظامية وانتشار المنظمات الإرهابية التى يقتصر وجودها الآن على الغرب الليبى.. وتبعثرها فى كل أنحاء ليبيا وتسللها إلى دول الجوار مع ما يشكله ذلك من أخطار جسام على الأمن القومى المصرى وعلى أمن ليبيا واستقرارها ووحدة أراضيها وعلى سائر دول الجوار خاصة مصر التى يبلغ طول حدودها مع ليبيا 1200 كيلو متر.
والمطلوب الآن أن تمسك مصر بزمام الأمور وتوجهها الوجهة الصحيحة وأن تتقدم بمبادرة يكون أهم بنودها إعلان فترة تهدئة لالتقاط الأنفاس يتوقف فيها القتال على جميع الجبهات لتهيئة الأجواء لانعقاد مؤتمر برلين.. واستئناف عملية الأمم المتحدة للسلام.
وعلينا اتخاذ خطوات عاجلة فى هذا السبيل قبل أن يفقد الليبيون السيطرة لصالح العناصر الأجنبية.