المسيح لاجئا
سامح فوزي
آخر تحديث:
الثلاثاء 29 ديسمبر 2020 - 8:05 م
بتوقيت القاهرة
منذ نحو قرنين جاءت العائلة المقدسة إلى مصر تبحث عن الحماية لطفلها الوليد «يسوع» من بطش هيرودس حاكم اليهودية الذى كان يريد قتله. يتذكر العالم اليوم هذا الحدث فى سياق المتغيرات التى يعيشها، ومن أهمها قضية «اللاجئين»، الذين تركوا مجتمعاتهم وذهبوا لغيرها لأسباب اقتصادية أو سياسية أو أمنية أو دينية، بحيث لم تعد هناك مجتمعات خالصة بسكانها الأصليين إلا أقل القليل، وتصاعدت دعوات ضيق، وغضب، وترصد، وأحيانا عنف ضد اللاجئين أو الأجانب بصفة عامة، فضلا بالطبع عن تضييق قواعد منح هؤلاء الأفراد اللجوء فى العديد من دول العالم.
كتبت الباحثة المرموقة د. ماريز تادرس، الأستاذة بجامعة ساسكس ببريطانيا، مقالا لطيفا وعميقا بمناسبة «الكريسماس»، تناولت فيه قراءة خيالية لمجىء العائلة المقدسة إلى مصر، تحمل بين سطورها المعاناة التى يتكبدها اللاجئون اليوم. فقد صورت فى حوار قصصى معبر أن العائلة المقدسة وقفت على حدود مصر، وجرى بينها وبين الحراس المسئولين عن الأبواب ــ سلطات الحدود فى المجتمع المعاصر ــ حوار، لم يخلُ من استخدام مفردات حديثة فى سياق واقعة تاريخية.
من أين أتيتم؟
من أرض يهوذا (فلسطين).
لماذا أتيتم إلى مصر؟
بحثا عن الأمن لهذا الطفل الذى يريد حاكم اليهودية هيرودس أن يقتله.
هل لديكم إثباتات على ذلك؟ تقارير، شهادات...الخ؟
لا
للأسف. ليس فى الإمكان منح الأسرة اللجوء إلى مصر إلا إذا ثبت أن الطفل يواجه خطرا حقيقيا على حياته فى بلده الأصلى.... أليس من الممكن أن يكون غرض مجيئكم إلى مصر التمتع بفرصة أفضل للعيش هنا، أو حصول الطفل على تعليم مجانى بالإسكندرية (فى إشارة من الكاتبة إلى الازدهار الثقافى والعلمى فى ذلك الحين بهذه المدينة الساحلية التى انشأها الإغريق)؟
لا نرغب فى البقاء هنا، سوف نعود إلى بلادنا بعد أن يزول الخطر.
دعنا نبحث فى أسباب أخرى لطلبكم مثل الهجرة للاستثمار. هل لديكم أموال أو مدخرات أو فضة لاستثمارها فى مصر؟
لا.. ولكن الأب نجار ماهر.
لدينا أمهر النجارين على مستوى العالم، ولا نحتاج إلى المزيد منهم.
حوار ممتع بلغة انجليزية قصصية جميلة رصدت من خلاله الكاتبة العناوين الأساسية لمعاناة اللاجئين فى الوقت الراهن، وينتهى الحوار ــ الذى تعتبره الكاتبة مجرد حلم ــ برفض طلب لجوء الأسرة الهاربة من فلسطين لعدم وجود أسباب تبرر ذلك.
قصة خيالية بامتياز، فيها اسقاط الحاضر على وقائع الماضى، لكنها تكشف عن أن العالم الذى يحتفل بالمناسبات الدينية والأعياد، ويتذكر محطات التاريخ الباهرة تتملكه روح مختلفة تصنعها الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية السائدة. وبالرغم من ذلك، فإن هناك حقيقة تاريخية ينبغى التوقف أمامها: أن مصر كانت ولا تزال مكانا مفتوحا، يرحب بالغرباء والضيوف والقادمين من كل مكان، لا تضعهم بين أسوار العزلة أو تغلق عليهم الأبواب أو تمارس تمييزا ضدهم، لكنها تفتح أمامهم أبواب العيش والتعايش والحوار والتلاقى مع أبناء الشعب المصرى.