بعض من الأسئلة التي أثارتها حرب الإبادة على غزة
صحافة عربية
آخر تحديث:
الجمعة 29 ديسمبر 2023 - 6:50 م
بتوقيت القاهرة
نشرت جريدة المغرب التونسية مقالا للكاتبة آمال قرامى، توضح فيه أن ما نشهده فى غزة من دمار وخراب وقتل آلاف الأبرياء الفلسطينيين مع التأكيد على حق الرجل الأبيض فى الدفاع عن نفسه يزعزع من مصداقية مبادئ ومصطلحات الأمم المتحدة مثل التمدن والتنوير والديمقراطية، وكذلك يؤثر سلبا على دور الدول الكبرى الداعمة لحقوق الإنسان... نعرض من المقال ما يلى:
ينشغل أصحاب المصالح بالتخطيط لمشاريع الإعمار فى غزة وبناء العلاقات والتفاوض مع الحلفاء والشركاء حول هوية الفاعلين الجدد فى المنطقة وتحديد تموقعهم بطريقة تخدم مشاريعهم الإمبريالية. وفى المقابل ينكب عدد من المفكرين على رصد التحولات إن كان على مستوى معانى القوانين والتشريعات الدولية وخارطة العلاقات الدولية وأداء الهيئات والمنظمات الأممية والتمركز الغربى والخطابات السياسية والإعلامية القائمة على المراوغة والتزييف وممارسة الهيمنة والتسلط أو ما يتعلق بالمنظومة القيمية التى بدت فاقدة للتأثير والسلوك والبنى الذهنية والنفسية... وهذا الاهتمام يجعل «النخب» لا تفكر فى تبعات حرب الإبادة سياسيا واقتصاديا فحسب بل تتجاوز ذلك إلى فحص انعكاساتها على مستوى التصورات ورؤية الذات وعلاقتها بالآخر وإنتاج المعرفة وغيرها من المواضيع.
يفرض علينا السياق العالمى الجديد أن نفكر فى الأحداث من منظور مختلف عن السائد فنحن إزاء ركح ومشهدية وفاعلين وخطابات وأداء وألاعيب فنية وصناعة لسرديات وأبطال... وجمهور يتابع «دولة مارقة» تستعرض يوميا، قدرتها على تدمير المشترك الإنسانى والعبث بكل المعايير الأخلاقية والقانونية. يحدث ذلك بمباركة «الرجل الأبيض» وتأييده للإبادة بدعوى الحرب على حماس، وهى نفس الحجة التى سمحت لإدارة «بوش» من قبل، باقتراف الجرائم الوحشية بحق المسلمين... يحدث هذا الدمار أمام الجميع.
ويدفعنا هذا «التفنن» فى ممارسة التوحش والإبادة والتدمير إلى استحضار أسئلة طرحت من قبل حول «التحضر» و«العقلانية» و«الحداثة» و«التمدن» و«التنوير» و«الديمقراطية» و«حقوق الإنسان» فى بعدها «الكونى» وثقافة الحوار، والثقافة الإدماجية، والتثاقف وغيرها من المبادئ والمفاهيم والمصطلحات التى أشاعتها الأمم المتحدة والهيئات التابعة لها وفرضت على الدول إدماجها فى السياسات العامة. ولكن ها نحن أمام مجموعة من المآزق لعل أولها ما تواجهه المنظومة التعليمية من مصاعب إذ كيف يمكن إقناع الجيل الحاضر والأجيال القادمة بجدوى هذه المبادئ والمفاهيم والمصطلحات التى فقدت معناها ونجاعتها بعد اختبار «حرب الإبادة فى غزة؟» أما المأزق الثانى فيتمثل فى استمرار برامج الشراكة الممولة من الدول المتورطة فى هذه الإبادة.
وفى السياق نفسه يعاد النظر فى «علاقتنا بالتكنولوجيا» و«فضائل التواصل» و«ثقافة الصورة» وخصائص «الكائن السيبرنى» و«مجتمع الفرجة»... وفى مدى تأثير هذه العناصر فى تشكيل وعينا وبنية مشاعرنا وأشكال تعاطفنا مع الآخرين وبناء علاقاتنا وردود فعلنا وتقييمنا للأحداث، وحكمنا عليها، ووجاهة الحجج التى نقدمها ومدى انسجامها، وطرائق تكيفنا مع ما نشاهد ونسمع وامتثالنا للسردية السائدة والمهيمنة بقوة من يروج لها...يضاف إلى ذلك مراجعة تعريفنا للفضاء الرقمى باعتباره فضاء تحرر ومنح الصوت للجميع وكسر الحدود فإذا بالمسيطرين على مواقع التواصل يحددون محتوى التفاعل ويمارسون كل أشكال التسلط والهيمنة فارضين على «التابعين» الطاعة والامتثال فمن لا يملك القدرة على إنتاج التكنولوجيا يستحق التأديب والعقوبات.
وثمة اليوم، دعوة ملحة لإعادة النظر فى كل المعارف ومن أبرزها ما أنتج حول الإرهاب والتفكر فى الاصطلاحات المتداولة (الراديكالية، نزع الراديكالية، التأهيل، إعادة الإدماج...) والمفاهيم التى صارت معولمة بـ«القوة». فما فهمنا للإرهاب فى سياق ما نعاين ونشاهد منذ أكتوبر 2023؟ وما معنى إرهاب الدول؟ وهل يستوى تقييمنا لـ«داعش» مع تقييمنا لداعش الجديدة فى نسختها الصهيونية؟ وهل تصمد القراءات النقدية العميقة أمام استراتيجيات التعتيم والحجب والاقصاء والشطب وترسانة آليات قمع الصوت الحر، و«تعدد الأصوات؟».
تولد هذه الأسئلة أسئلة أخرى تتعلق بالنظم الاقتصادية النيوليبرالية التى غيرت فهمنا للإنسان فإذا بنا نلاحظ نتائج سياسات الاستغلال وأبرزها تحويل الفرد إلى أداة فى يد السيد بل الاستغناء عنه. فما هى أهداف الأنشطة الاقتصادية؟ وما هو مفهوم العمل اليوم؟ وما هى الغاية من الحياة؟ ولذا بدأ التفكير فى تعريف جديد للعمل موصول إلى المجموعة وفى خدمة المصلحة العامة، وشاع الحديث عن المعرفة المفيدة للصالح العام وانطلق النقاش حول ضرورة خلق فضاء عام منتج لوعى مغاير...
إننا فى مرحلة مخاض فكرى عسير نجهل ما سيترتب عنها من نتائج.