تحالف الخضوع للسلطة

عمرو خفاجى
عمرو خفاجى

آخر تحديث: الأربعاء 30 يناير 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

كان عالم الفيزياء العبقرى، ألبرت اينشتاين، الذى غير وجه القرن العشرين وأعاد كتابة تاريخ العلم من جديد، واكتشف لنا الكثير من الحقائق المذهلة، يردد دائما «الخضوع الأعمى للسلطة هو ألد أعداء الحقيقة»، وربما كان إيمانه العميق بهذه المقولة، وعدم خضوعه حتى لسلطة حقائق علمية كان متفقا عليها وراء ما توصل إليه من اختراعات وابتكارات، ولا يختلف عنه كثيرا، عبقرى الإلكترونيات ستيف جوبز، الذى كان لا يخضع بسهولة لما توصل إليه من سبقه، فكان بحق الرجل الذى أدخلنا القرن الحادى والعشرين ونحن نملك ما كنا لا نحلم أن نمتلكه من أدوات معرفة تفوق خيال أينشتاين شخصيا. وما بين الرجلين ألهمنا الكثيرون من رواد العلم والمعرفة والأدب والسياسة، وحتى التاريخ، أن الانصياع للسلطة يسلب البشرية حقائقها التى تدفع الأوطان والدول إلى الأمام، وتعطل كل من خضع للسلطة من الوقوف جنبا إلى جنب مع ما توصل إليه العالم من عدل ورفاهية.

 

وربما تكون الثورة المصرية فى موجتها الأولى، قد أشارت بوضوح إلى أهمية عدم «الخضوع الأعمى للسلطة» لما يحدثه من آثار ضارة بالمجتمع، وتقييد جميع أفكار المجتمع غير التقليدية، التى يجب ان تكون موجودة بالضرورة لمواجهة مشكلات غير تقليدية، أو مشكلات تقليدية تتطلب حلولا غير تقليدية، وربما تكون الثورة ــ مع الأسف الشديد ــ لم تنجح على طول الخط فى تحقيق هذا الهدف الجوهرى الذى كانت تحتاجه مصر بالفعل، والأشد أسفا، ولا أريد أن أكون شديد التشاؤم وأقول، إن الذى حدث كان فى الاتجاه المعاكس تماما.

 

فى مصر الآن، نموذج واضح لفكرة الخضوع الأعمى للسلطة، بجميع أشكالها، وصنوفها وأنواعها المختلفة، سواء سلطة الحكم، وهو الخضوع الأسوأ على الإطلاق، أو سلطة المعارضة، حيث الخيانة تنتظر من يعارضها، وسلطة الثورة ذاتها، والتى أصبحت سلطة جامدة بما تكون لأبنائها من خبرات عبر عامين من الممارسة، أو عبر سنوات من معرفة تاريخ ثورات أخرى، ولا يوجد مثال أفضل من سلطة الربط الدائم بين الثورة المصرية والثورة التونسية وكأنها المقياس الدقيق الذى لو تركناه لاختل العمل الثورى وضاعت فرصة التغيير، فالثورة على الثورة ضرورة أحيانا، وعدم الخضوع لسلطة ثورة بعينها طريق لثورة جديدة.

 

هذا التحالف من الخضوع لأنواع السلطة المختلفة، ربما وأد الكثير من الحقائق الضرورية التى كان يجب أن نفهمها، حتى لا يحدث ما نراه الآن من مشهد يزعج الغالبية من الناس، والحقائق كانت ماثلة وحاضرة بقوة أمام الجميع، كل من زاوية نظره وثقافته ورؤيته، لكن الخضوع الأعمى للسلطة، خاصة سلطة الحكم، دفع الجميع للتمسك بالخضوع لسلطته أيا كانت، ليواجه ما يعتقد أنها السلطة الشريرة التى ترغب فى القضاء على الثورة، واعتبار كل تحرك لا توافق عليه أى سلطة، هو الثورة المضادة بعينها، فشكل هذا التحالف من «الخضوع» جدارا خرسانيا أشد صلابة من الجدار الخرسانى الذى ينجح الثوار عادة فى إزالته (بعدم الخضوع لسلطة أنه جدار وخرسانى ولا يمكن إزالته) إلا أنه، ومن الواضح، أنهم لا يعرفون كيفية مواجهة الجدار الخرسانى المصنوع عنوة من تحالف الخضوع للسلطة.

 

ويبقى فى مقدمة الحقائق التى تم وأدها، فى ظل معركة الخضوع للسلطة، أن الناس تغيرت وتبدلت وصبرها نفد وأن أحدا لم يفعل من أجلها أى شىء، فقط الحياة تزداد صعوبة لا أجر زاد ولا أسعار انخفضت ولا حتى شواهد أو وعود بحل أى أزمة أو مشكلة.. الكثير من الانتخابات والاستفتاءات والخلافات والمليونيات والتظاهرات وكان الشعب يستجيب على أمل.. وحينما بدا أنه أمل كاذب، كان على الشعب أن يعلن الحقيقة بهذه الطريقة الفجة.. لسلطات تفعل ما هو أكثر فجاجة دون أن تدرى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved