الناس التانيين

غادة عبد العال
غادة عبد العال

آخر تحديث: الأربعاء 30 مارس 2011 - 10:03 ص بتوقيت القاهرة

 مرة واحد ماشى فى حاله طلعوله مطاريد.. قالوله إنت معانا ولا مع الناس التانيين؟.. رد برعب شديد معاكوا والله.. راحوا طخينه وقالوله.. بس إحنا الناس التانيين..أكيد فاكر النكتة القديمة اللى عدى عليها سنين كتير.. أما الجديد بأه فهو الظهور الفعلى «للناس التانيين» بعد ثورة 25 يناير وهو ما أعتبره واحدا من أهم إنجازاتها.. قبل الثورة كان معظم أبناء الشعب المصرى فى خانة واحدة، خانة معارضة النظام، لكن كل واحد كان بيعارض بطريقته، اللى بيبرطم وهو واقف فى طابور تأمين صحى.. اللى بيدعى على اللى كان السبب وهو محشور فى أتوبيس نقل عام شبه علبة السردين..اللى بيكتب اعتراضه على جدار حمام.. اللى بيطلع غله فى عياله.. اللى بيتصل يشكى همه للفضائيات.. اللى بيكتب فى جريدة فى باب بريد القراء..حتى ظهرت المدونات والفيس بوك والتويتر وبدأ الشباب يلاقوا بعضهم ويوحدوا الصفوف، وانضم لهم باقى أفراد الشعب حتى كان ما كان وانفجر الوضع فى وجه النظام وانفجر النظام نفسه زى البالونة المنفوخة بالهوا اللى مش فاهمه كانوا بيخوفونا بيها إزاى. لكن على مدار السنين اللى فاتت كان الكل تقريبا فى خانة واحدة، معترض أو لائم أو زهقان أو مقروف أو كفران كلها تنويعات على لحن واحد، أما الآن فالوضع مختلف.

أصبح لأول مرة فيه رأى ورأى آخر والرأيان هدفهم فى النهاية مصلحة البلد، قد تكون مع استمرار الجيش لوقت أطول أو مع إنه يعود لثكناته فى أسرع وقت.. قد تكون مع استمرار المظاهرات الفئوية أو يكون رأيك إنه مش وقتها ولا وقت تأثيرها على عجلة الإنتاج اللى اتخرمت ومش عارفين نلحمها دى.. قد تكون مع تبنى الدولة لنظام دينى يقترب من نموذج تركيا أو تكون من المتمسكين بالدولة المدنية وشايف إنه الطريق اللى مافيش غيره من أجل نهضة البلد.. أصبح دايما فيه فريقين ورأيين مع كل خطوة جديدة فى الطريق، وهو ما أعتبره ظاهرة صحية جدا طالما الطرفين مهما اختلفت وجهات نظرهم فى النهاية بيفكروا فى الأفضل للبلد.. الغير صحى بأه هى نغمات الاستهزاء والتخوين اللى بترتفع مع كل اختلاف يظهر بين أى فريقين.. مؤخرا كان الفيس بوك مثلا ساحة لحرب داخلية بين الشباب.. الكل تقريبا مؤيد للثورة وأهدافها..لكن الاختلاف على التفاصيل غالبا بيؤدى لحرب بروفايلات، لو حطيت صورة تحمل كلمة «لا» مثلا كصورة بروفايل ردا على التعديلات الدستورية تبقى صاحبى وحبيبى وكفاءة..حطيت صورة «نعم» هاعصرك تنزل فلول حزب وطنى صغيرين.

تحط صورة البرادعى كمؤيد له على صفحتك تبقى مضحوك عليك.. تحط صورة عمرو موسى تبقى مازوخى وغاوى تعذب نفسك والآخرين.. حطيت آية قرآنية فى الغالب إنت إخوان أو متعاطف مع السلفيين..حطيت فيديو بتشير فيه لآراء متطرفة لرجل دين.. تبقى كافر وزنديق وأستغفر الله العظيم تبع الليبراليين.. كتبت نوت بتعبر فيها عن قلقك على مستقبل البلد تبقى سوداوى ومجند فى جيش الثورة المضادة المجيد..كتبت نوت بتتكلم عن تفاؤلك تبقى حالم ورومانسى ومش فاهم أصلا الواقع اللى احنا عايشين فيه، مش بس لوم وعتاب، دول أصدقاء بيخسروا بعض.. ناس بيفضوا شغلهم مع بعض.. وناس بيشككوا فى نزاهة بعض ولا يتوانوا عن تلويث سمعة البعض لمجرد إنهم مختلفين معاهم فى الرأى، صحيح إحنا لسه فى سنة أولى ديموقراطية ولسه حتى ما كملناش فيها كام شهر، لكن زى ما ضربنا للعالم كله مثال فى رقينا وانحيازنا الدائم للمثل والأخلاق العليا أثناء تظاهرنا فى الميدان..لازم كمان نتمسك بأخلاق الميدان واحنا بنتناقش مع بعض فى أى مكان.. معانا ولا مع الناس التانيين ؟.. لازم نعرف إن وجود «الناس التانيين» دول هو الديموقراطية نفسها.. إحنا خارجين من علقة 30 سنة رأى واحد..مش عايزين نلف ونرجع تانى لعصر كلنا كرهناه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved