محمد يسرى سلامة يُمَثِّلنى

بلال فضل
بلال فضل

آخر تحديث: الإثنين 1 أبريل 2013 - 2:55 م بتوقيت القاهرة

غاب عنّا صوت الثورى العصيّ على التصنيف محمد يسرى سلامة فى وقت كنا أحوج ما نكون فيه إليه بعد أن ازدحمت ساحة الوطن بأصوات نشاز لولا الغباوة الإخوانية ماسمعنا لبعضها حسا: أصوات عبيد لم يفتحوا أفواههم أبدا لرفض الظلم والمطالبة بالحرية لكنهم قرروا الآن أن يرفعوا أصواتهم فقط لكى يلعنوا طالبى الحرية ورافضى الظلم، وأصوات متخبطين يدفعهم الخوف من المستقبل إلى إنكار بشاعة الماضى، وأصوات يائسين يتعلقون بأى قشة حتى لو كانت معلقة فى طرف بيادة، وأصوات زياطين ثوريين يزايدون على الكل فلا يصدرون إلا جعجعة مخلصة لا يعقبها طحن ينفع الناس.

 

ببركات الإدارة الفاشلة القاتلة للمجلس العسكرى ثم للإخوان من بعده، عرف كثير من الثوار عادة أليمة ومريرة هى تصفح حسابات مواقع التواصل الإجتماعى لرفاق ثورتهم كلما سقط أحدهم شهيدا، يفعل الثوار ذلك لا لكى يقلبوا على أنفسهم المواجع فهى «متقلبة جاهزة»، وإنما ليتواصوا بالحق والصبر والثورة ويذكروا أنفسهم بما سقط رفاقهم شهداء من أجله، اختبرت هذا الألم بعد رحيل الشيخ عماد عفت والشهيد علاء عبدالهادى والشهيد محمد الجندى رحمهم الله جميعا، ورأيت فى مواقف كل منهم المعلنة على حسابه الشخصى وتعليقاتهم على الأحداث، قصة هذه الثورة التى يتحالف القتلة والحرامية وعديمى الخيال والذمة لإجهاضها بكل ما أوتوا من خسة وانحطاط، وهو ما رأيته من جديد قبل أيام عندما تصفحت حساب المرحوم محمد يسرى سلامة على موقع تويتر وقضيت وقتا طويلا مؤلما فى قراءته وتأمله، أصبحت بعده مقتنعا أنه لم يمت مسموما كما أشيع ولم يمت بمرض غريب كما يقول الأطباء، بل أعتقد أنه مات بحسرته على أحوالنا تماما كما مات من قبله صديقى الحبيب العم الجميل جلال عامر الذى كان يسرى سلامة من محبيه ومريديه، ويشاء الله على إختلاف عمريهما أن يأتى رحيلهما فاجعا ومفاجئا ومُجَمِّعا للفرقاء الذين أحبوا فيهما طيبة القلب وخفة الظل وذكاء العقل وجدعنة المواقف والإنحياز الدائم لأهداف الثورة وقيمة الحرية. 

 

كان محمد يسرى سلامة صديقا افتراضيا لى على «تويتر»، وكنت أؤجل السعى إلى لقائه وجها لوجه على أساس أنه سيكون فى العمر متسع لذلك، ولم أكن أعلم أن الفرصة الأخيرة كانت عندما أرسل إليّ قبل وفاته بأيام مثنيا على سلسلة مقالات «رسائل إلى ثائر حائر»، وهو ثناء فهمته عندما قرأت فى حسابه تغريدات متتالية كتبها يوم 5 مارس كانت أقرب إلى صرخات ملتاعة ترفض ما أحدثه الغباء الإخوانى من خلط للحابل بالنابل فى ميادين الثورة ومن تصاعد لتلك النغمة الكريهة التى تلعب على ضعف ذاكرة المصريين فتصور لهم أن المخلوع مبارك برئ من كل ما نحن فيه الآن من معاناة، ولذلك كتب محمد يسرى سلامة صارخا «لن أندم أبدا على الثورة وعلى مشاركتى فيها وهى أجمل وأطهر وأنبل حدث فى حياتى وليس ذنبنا أننا قمنا بها وسط إنتهازيين وجُهّال معدومى الوعى. اليأس لم يتسلل إلى نفسى أبدا برغم كل المساوئ والسلبيات التى زرعها مبارك فى هذا الشعب، ثورتنا مستمرة وسننتصر رغم أنف الجميع. صحيح أننى لم أحصل على أية مكاسب من الثورة بل خسرت أشياء ولكنى لست بنادم، اخترت الثورة وكان يمكننى أن أكون عضوا فى كل لجنة وبرلمان وفخور بذلك. ولا أشعر بأدنى تعاطف مع مبارك ونظامه الذى أوصل هذا الشعب إلى ما صار عليه، يستوى فى ذلك الإسلاميون وغير الإسلاميين، تدميرا ممنهجا لأمة وشعب. إيه خلاص لحقنا نسينا خالد سعيد وسيد بلال وسليمان خاطر وعبدالحارث مدنى وغيرهم ممن ذهبوا ضحية بطش مبارك، وآلاف غيرهم ذهبوا ضحية فساده،وملايين تحطمت أحلامهم وآمالهم فى عيشة كريمة ومستقبل أفضل وذهبت أعمارهم سدى تحت وطأة الذل والقهر والفساد والجهل، أما أنا فلا أنسى أبدا، ويجب أن نتذكر أن الشهداء الذين ما زالوا يسقطون هم ثمن ندفعه للتخلص من نظام عتيد أصر الإخوان على الإحتفاظ به ونجاهد نحن من أجل إسقاطه تماما».

 

فى 10 مارس كتب محمد يسرى سلامة تغريدات مليئة بالمرارة والأسى قال فيها «أتذكر يوم نطق الناطق بإسم لجنة الإنتخابات اسم محمد مرسى، صفقت وهللت أنا ومن بالبيت، ربما فرحا فى خسارة شفيق أكثر من أى شيئ آخر، وهذا شيئ لن يتغير، ولن يتغير أبدا رأيى فى أمثال شفيق امتداد مبارك، لكن مع مرور الوقت ثبت أيها الرئيس أنك لا تصلح للرئاسة، وها هى الأيام تمر ولا نرى مجرد بادرة لنهضة حقيقية على طريق التقدم والرقى، أو حتى مجرد إصلاحات على نطاق ضيق، وإذا تذرعوا بالمؤامرات والدسائس فجزء من هذا صحيح بالطبع، ولكن يجب ألا ينسى الرئيس وجماعته أنهم أحجموا عن بناء شراكة حقيقية مع رفقاء الثورة، لأن هذا سينتقص من حصتهم فى السلطة بالتأكيد فوضعوا المصلحة الضيقة أمام المصلحة العامة الواسعة، وها نحن أنصار الثورة وعشاقها نسير متحسرين على أحلام ضائعة، وكأن بلادنا لا يراد لها إلا أن تكون هكذا. قلنا مرارا: ابتعدوا بالدعوة عن السياسة، بكل الدعوات عن السياسة، أخرجوا رجالا يقودون الأمة، ولكن لا تحرقوا الدعوة بنار السياسة، ولا تجعلوا من الخلاف السياسى خلافا دينيا، لم يستمع أحد، وهاهى النتيجة فقدان الثقة فى الدعوة وتقديم السياسة على كل شيئ».

 

لقد كان محمد يسرى سلامة صاحب رسالة كافح من أجلها طيلة حياته، ولذلك فحتى موته كان بمثابة رسالة أتمنى أن نقرأها جيدا، ونحن نتخبط حتى الأذقان فى هذا المستنقع الكريه الذى أوقعنا فيه الإخوان، ولم يعد أمامنا سوى أن نغرق فيه سويا، أو ننتشل بعضنا البعض منه كما فعلنا فى الثمانية عشر يوما الأولى من الثورة، تلك الأيام التى مات محمد يسرى سلامة وهو يحن إلى عودتها، وأظن أن الحنين إليها أضناه فقتله، رحمه الله وهدانا سواء السبيل.  

 

belalfadl@hotmail.com

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved