قطاع النفط والغاز المصرى
العالم يفكر
آخر تحديث:
الأحد 30 مارس 2014 - 6:45 ص
بتوقيت القاهرة
كتب ماكس ريبمان على الموقع الإلكترونى صدى التابع لمركز كارنيجى لدراسات الشرق الأوسط مقالا عن الوضع الحالى لقطاع النفط فى الاقتصاد المصرى، حيث استمرّت المشاكل الناجمة عن النقص فى المحروقات فى مصر حتى نهاية العام 2013، لكن الانتهاء المفاجئ لهذه الأزمة التى أرخت بثقلها على رئاسة محمد مرسى فى يونيو الماضى، أظهر أن مصر لم تكن تعانى من أزمة طاقة حقيقية بل إن المسألة مرتبطة بالنزعة نحو تسييس قطاع النفط والغاز. وقد بات واضحا أن أزمات المحروقات فى مصر ناجمة عن المشاكل البنيوية أكثر منه عن اللاستقرار السياسى فى المدى القصير. فالطلب الداخلى المتزايد الذى أحدثه النمو الاقتصادى قبل عام 2011 تجاوز إلى حد كبير العرض على الوقود. وبعد عام 2011، تعاظمت التحدّيات المطروحة على الهيئة المصرية العامة للبترول، وعلى قطاع النفط والغاز عموما، بسبب تراجع قيمة الجنيه المصرى والتناقص الشديد فى احتياطى العملات الأجنبية.
•••
وأشار الكاتب إلى أجواء الالتباس التى شهدتها البلاد فى الأشهر التى سبقت عزل مرسى عن الرئاسة، كان قطاع النفط والغاز المصرى يعانى من أزمة حادّة خلالها. حيث امتدت الطوابير أمام محطات الوقود. ثم فى صباح الأول من يوليو 2013، اختفت الطوابير من أمام محطات الوقود، الأمر الذى أوحى فى ذلك الوقت بأن تسييس قطاع النفط والغاز هو السبب الأساسى فى أزمة المحروقات وليس الضغوط طويلة المدى. وقبل انتفاضة 25 يناير 2011، كان قطاع النفط والغاز يشكّل ورقة رابحة مهمّة فى الاقتصاد المصرى المتوسع. صحيح أن مستوى الإنتاج كان يبلغ نحو 710000 برميل من النفط فى اليوم، وهذا رقم ضئيل بالمقارنة مع كبار المنتجين فى العالم ــ مثلا كانت السعودية تنتج 9.4 ملايين برميل فى اليوم فى عام 2011 ــ إلا أن صادرات النفط المصرية كانت مصدرا ثابتا للعملات الأجنبية، وبحلول عام 2009، أصبحت مصر فى المراتب الأولى فى تكرير النفط الخام فى القارة الأفريقية، مباشرة بعد جنوب أفريقيا. وكذلك ازداد إنتاجها من الغاز الطبيعى خمسة أضعاف منذ منتصف التسعينيات، ليبلغ 2.2 تريليون قدم مكعّب فى عام 2011؛ وفى عام 2013 احتلت المرتبة الثالثة فى أفريقيا لناحية احتياطى الغاز الطبيعى المثبت المقدَّر بـ77 تريليون قدم مكعب.
واستطرد الكاتب، من جهة، يشير الثبات فى إنتاج النفط الخام إلى أن قطاع النفط والغاز فى مصر أقوى مما يدّعيه معلّقون كثر. من المنطقى التكهّن بأن مستويات الاستثمارات ستحافظ على ارتفاعها، ولاسيما أنّ الحكومة لم تتدخّل بقوّة فى القطاع منذ 30 يونيو الماضى، إذا بدأت الحكومة تأميم حقول النفط مثلا أو استمرّت فى تحويل النفط الخام من محطات التصدير إلى السوق الداخلية بكميات كبيرة. إلا أنه لم يتّضح بعد ما هو المسار الذى ستسلكه الأمور على هذا الصعيد. لكن على الرغم من استقرار الإنتاج النفطى بعد 25 يناير 2011، تعرّض الاقتصاد على مستوى الشارع إلى الضغوط من خلال سلسلة من الأزمات فى قطاعات البنزين وقوارير الغاز والتيار الكهربائى فى مطلع العام 2012. وفى ذلك الوقت، حمّلت فايزة أبوالنجا، وزيرة التخطيط والتعاون الدولى فى عهد مبارك، المسئولية فى هذه الأزمات إلى التهريب واتّساع السوق السوداء فى تجارة الديزل ــ فى حين أن المشكلة الحقيقية تكمن فى التنافر بين ارتفاع الطلب وانخفاض العرض. وقد بذلت الحكومة جهودا حثيثة لمعالجة الأمر، ونتيجة لذلك لم يعد بإمكانها تأمين وصول الوقود بسلاسة إلى الأسواق.
•••
ثم أوضح ريبمان أن حكومة مرسى ورثت هذه المشاكل لدى تسلّمها السلطة فى يونيو 2012 لكنها فشلت فى إيجاد حل لها. ففيما تهرّبت الحكومة من اتّخاذ الإجراءات اللازمة للحصول على قرض قدره 4.8 مليارات دولار من صندوق النقد الدولى، مع العلم بأن البلاد كانت بحاجة ماسّة إليه، ولم تتمكّن من وقف التراجع فى احتياطى العملات الأجنبية، تعاملت بأسلوب تآمرى مع أزمة المحروقات. فقد تردّدت شائعات عن تدخّل الجيش فى القطاع، ومنعه الشركات الأجنبية عن طريق الإكراه من العمل فى الامتيازات النفطية أو نقل النفط إلى الأسواق. ورأى منتقدو الحكومة بدورهم فى أزمة المحروقات المصرية أداة مناسبة تستخدمها إدارة مرسى لاستباق الاحتجاجات فى الشارع وتشتيت المعارضة. وقد سلّطت الاضطرابات فى الاقتصاد على مستوى الشارع والمخاوف من استمرار أزمة المحروقات لفترة طويلة، الضوء على نظرة الرأى العام إلى سوء إدارة الإخوان المسلمين للاقتصاد. وشكّلت هذه المعطيات، إلى جانب المظالم السياسية، عوامل رئيسة خلف الاحتجاجات الحاشدة التى اندلعت فى أواخر يونيو الماضى. وزادت أعمال العنف من حدّة التشنّجات، فيما عمدت شركات النفط الأجنبية إلى إغلاق مكاتبها فى مصر مؤقتا وإجلاء موظّفيها الدوليين، كما فعلت شركة «بى بى» فى الأيام التى أعقبت أحداث 30 يونيو 2013.
ورأى ريبمان أن هذه المسائل ترتدى طابعا سياسيا أكثر منه اقتصادى، كما أنها تغفل عن شرح التحدّيات الأساسية التى يواجهها القطاع. فالاختلالات التى عانت منها مصر سابقا فى إمدادات الوقود، على غرار النقص فى المحروقات وانقطاع التيار الكهربائى فى 2007-2008، رُبِطت فى شكل أساسى بالتنافر فى الأسواق: كان النمو فى الاقتصاد المصرى يتراوح بين 5 و6 فى المئة، وكان الطلب الداخلى على النفط والغاز يفوق العرض بأشواط. بعد التباطؤ الاقتصادى الذى شهدته مصر عموما عقب انتفاضة 2011، كان من المفترض أن ينحسر التنافر بين العرض والطلب، لكن استهلاك الطاقة استمرّ فى الارتفاع. وهذا الأمر ينطوى على شىء من المفارقة، إلا أن الزيادة فى استهلاك الطاقة تعود إلى النمو السكّانى فى مصر، والوضع المتردّى للبنى التحتية، كما أنها ناجمة، بحسب الخبراء فى القطاع، عن تسجيل الناتج المحلى الإجمالى نموا أكبر من معظم التقديرات الحالية، مع بلوغه 3 إلى 4 فى المئة. إلى جانب الاختلال العام فى التوازن فى الأسواق، تواجه إمدادات الوقود فى الداخل مزيدا من التعقيدات بسبب الدور الذى تضطلع به الهيئة المصرية العامة للبترول المملوكة من الدولة، وآلية عملها مع التراجع فى قيمة الجنيه المصرى. صحيح أن الشركات الخاصة تتولّى فى شكل أساسى التنقيب والإنتاج، إلا أن الهيئة المصرية العامة للبترول مسئولة عن قطاع المصب ــ أى تسويق المنتجات النفطية وتوزيعها وبيعها - فى البلاد. وفى هذا الإطار، يقع على عاتقها تأمين الوقود المدعوم من الدولة، ولهذه الغاية، تشترى النفط من الشركات الأجنبية فى مصر بأسعار أقل من السوق ثم تبيعه من جديد إلى المستهلكين المصريين مع مزيد من الخفوضات فى السعر. ولكن مع تراجع الموارد المالية والصعوبات الشديدة التى يواجهها الاقتصاد الكلّى، لم يعد بإمكان الهيئة المصرية العامة للبترول أن تؤمّن إمدادات ثابتة من الوقود بأسعار أقل من السوق.
ومن الأسباب الوجيهة التى تدعو إلى التفاؤل ذكر الكاتب. استمرار شركات النفط الدولية إلى حد كبير فى توظيف رساميل غير مسبوقة فى مصر، كما عمدت إلى توسيع عملياتها للتنقيب والحفر. فضلا على ذلك، من الخطأ اعتبار المشقّات التى تعانى منها مصر فى المدى القصير فى قطاع النفط والغاز، مقياسا لحالةٍ من اللاستقرار السياسى الأوسع نطاقا. ففى حين عمد أفرقاء مخضرمون فى السوق إلى بيع أسهمهم فى قطاع النفط المصرى، لجأت شركات أخرى، على غرار شركة "توتال" الفرنسية، إلى توسيع عملياتها فى قطاع المصب، ولعل التواجد الجديد نسبيا للشركات الصينية فى مصر ــ كما فى كردستان العراق ــ مؤشر على أن فرص الاستثمار فى قطاع الطاقة المصرى أكبر من المخاطر.
•••
واختتم ماكس ريبمان مقاله مشيرا إلى أن النقص فى المحروقات سيستمرّ غالبا فى المدى المنظور، ولن يجد حلا له إلا فى إطار معالجة شاملة للتحدّيات الاقتصادية الأساسية التى تعانى منها مصر، وذلك عبر تثبيت عملتها، وتعزيز احتياطى العملات الأجنبية، وإصلاح برنامج الدعم الحكومى. فى ما يتعلّق بالبند الأخير، ثمة خيارات مبتكرة متاحة أمام الحكومة لإلغاء أشكال الدعم الأغلى كلفة، بصورة تدريجية وبما يضمن المساواة الاجتماعية. قد يكون من الصعب الإقرار بذلك، نظرا إلى الانتهاكات السياسية المتواصلة والتعرّض إلى الحريات المدنية، إلا أنه من شأن حكومة بقيادة السيسى أن تتمتّع ربما برأس المال السياسى الضرورى لاتّخاذ إجراءات طال انتظارها من أجل إصلاح الدعم الحكومى، فى حال قرّرت ذلك. بغض النظر عن المناخ السياسى، ينبغى على أى حكومة مصرية ــ حتى حكومة بقيادة السيسى ــ أن تحافظ على قطاع النفط والغاز ورقة رابحة أساسية تساهم فى دفع مسيرة البلاد نحو الأمام. فمستقبل الاقتصاد المصرى يتوقّف على ذلك.