من وحى الربيع

سلامة أحمد سلامة
سلامة أحمد سلامة

آخر تحديث: السبت 30 أبريل 2011 - 9:16 ص بتوقيت القاهرة

 أمضيت بضعة أيام بعيدا عن أجواء القاهرة، أتلمس شيئا من هواء الربيع الطلق وما يخلعه على الطبيعة والناس من حياة متجددة ومشاعر طازجة.. تفجر ينابيع العقول الصدئة والقلوب المتبلدة. بعيدا عن مانشتات الفساد والنهب والسلب التى أصبحت طعاما يوميا غير شهى على موائد الصحافة وأقلام الكتاب. ولكن المرء لا يستطيع أن يهرب من ملك ربه. ولا يستطيع أن يرى الربيع بجماله ويستمتع بألوانه كما تراه وتستمتع به شعوب الأرض الأخرى.. التى تحتفل بالربيع وتنتشى بوروده وأزهاره، وبكل قطرة جمال تجعل للحياة معنى وتضفى على المخلوقات سر وجودها واستمرارها ونمائها!

إذا أعطى المرء حواسه إجازة من القبح والتلوث والعشوائية، فلن يستطيع أن يعطى عقله إجازة من الأحداث والكوارث التى يصنعها الإنسان بيديه.. حين تقطع جماعة أذن رجل عقابا له على خطأ أيا كان الجرم. أو تتقاتل فئتان من الناس بسبب «مطب طائفى» أيا كان معنى ذلك ــ تذهب ضحيته أرواح بريئة. أو حين تنشب ثورة لأن محافظ المدينة ليس على دين ملوكهم، فتقطع الطرق وتغلق المتاجر وتنقطع الأرزاق!

فى الشعوب الأخرى يأتى الربيع فيخرج الناس إلى الحياة العامة يعبون من مسراتها وأفراحها رقصا ومرحا. وتمتلئ الشوارع بالشباب والشيوخ من كل الأعمار والأجناس، يستحثون الحياة على الانطلاق ويجددون رغبتهم فى الاستمتاع بها ويشحذون هممهم إلى العمل حين يأتى وقت العمل. أما عندنا فلا نعرف من الاحتفال بأعياد الربيع غير أكل الفسيخ والطعمية. وفى وقت من الأوقات كانت تقام مهرجانات للربيع يغنى فيها من يغنى.. دون أن نعرف معنى المشاركة الجماعية فى الاحتفال وإظهار البهجة. فالتعبير عن الفرحة نادرا ما يتخذ أسلوبا منظما يعكس الروح العامة. أو يفرغ الطاقات مما يحتبس فيها من مشاعر مكبوتة وآمال زائفة!

ولهذا السبب يقوم انفصال بين الحكام والشعوب عندنا.. الحكام يعيشون فى بروجهم العاجية المعزولة عن الحياة العامة. لا تصل إليهم غير همهمات الشكوى وتقارير العسس وأمن الدولة وأجهزة المخابرات. ولا تمثل المؤسسات البرلمانية الناس تمثيلا حقيقيا. بل تكون مجرد انعكاس لأوهام وصور غير حقيقية إرضاء لعواصم أجنبية أو تجميلا للواقع البائس الذى يخفى جيوب الفقر والتخلف. ويطلق يد الحكام دون مراجعة أو مساءلة. ولكنهم أبدا لا يشاركون شعوبهم فى احتفالاتهم ومسراتهم.

ونظرة إلى ما يجرى حولنا فى عالمنا العربى تكفى لكى نلاحظ كيف تتكرر فيه أنماط الحكم بطريقة مطردة. لا يوجد شعب واحد يحتفل بأعياده بطريقة جماعية.. فى الشوارع والميادين وعلى ضفاف الأنهار. ففى معظم الأنظمة تسيطر أوضاع أمنية وقوانين للطوارئ وأحكام عسكرية تمنع اجتماع أكثر من خمسة فى مكان واحد. وإلا اعتبروا نواة للثورة أو لقلب النظام.

لقد أبدى الكثيرون دهشتهم من الثورة المفاجئة التى اجتاحت محافظة قنا بسبب تعيين محافظ قبطى دون اعتداد برأيهم. وما أبدته عدة محافظات أخرى من معارضة فى وجه تعيين محافظين جدد فيها.. لأسباب متنوعة. وارتفعت الصيحات: لماذا لا تأبه الدولة بمطالب الناس ورغباتهم؟ بل إن البعض اعترض على ترشيح د. مصطفى الفقى للجامعة العربية.. وهو ما كان مدعاة للتساؤل: منذ متى يعبر الناس عن رفضهم أو مواقفهم على ملء المناصب الشاغرة فى الدولة؟

والواقع أن الثورة حين قامت وحققت ما حققته، إنما أعادت تشكيل وعى الناس بحقوقهم وزرعت لديهم إيمانا عميقا بأن ثمة آليات للديمقراطية لابد من احترامها.. حتى فى أقصى بلاد الصعيد التى ظلت مهملة على مر السنين!

لقد ضيقت الثورة فجوة كانت قائمة بين الشعب والحكام، وأعادت للشعب احترامه لنفسه وكيانه. وسوف يكون من الضرورى أن نسارع إلى وضع الأسس الديمقراطية التى تكفل للمواطن حق الاعتراض والموافقة على ترشيح نائب أو مدير أو محافظ، بدلا من أن تهبط عليه القرارات الفوقية التى لا يطلب فيها منه غير السمع والطاعة.. لقد انتهى زمن الخضوع للأوامر والنواهى دون مناقشة. وحين تصل الشعوب إلى مرحلة الاندماج والتماهى مع الواقع العملى، فسوف نكون قد وصلنا إلى بدايات سليمة للديمقراطية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved