عيد العمال وقانون العمل الجديد.. المنحة يا ريس
طارق عبد العال
آخر تحديث:
الإثنين 30 أبريل 2018 - 10:10 م
بتوقيت القاهرة
لعل معظمنا يذكر كلمة «المنحة يا ريس» وهى الكلمة التى كانت عادة تُقال من أحد حضور خطاب رئيس الجمهورية فى عيد العمال وذلك فى عهد مبارك، والتى ظهرت فى عهده هذه الجملة التى يصحبها هتاف عام من الحضور، وظلت عبارة «المنحة يا ريس» هى الأشهر فى تاريخ احتفال مبارك كل عام بعيد العمال خلال 30 سنة حكما، اعتاد العمال على إطلاقها أثناء كلمة الرئيس الأسبق، وأن يكون رد فعل الرئيس فى كل مرة الابتسامة ثم الوعد بزيادة العلاوة والرواتب.
ومن حيث التاريخ فقد كان أول عيد للعمال فى الولايات المتحدة الأمريكية تم الاحتفال به فى الخامس من سبتمبر عام 1882 فى مدينة نيويورك. وفى أعقاب وفاة عدد من العمال على أيدى الجيش الأمريكى ومارشالات الولايات المتحدة خلال بولمان سترايك أو اضراب بولمان عام 1894، وضع الرئيس جروفر كليفلاند تسويات مصالحة مع حزب العمل باعتباره أولوية سياسية. وخوفا من المزيد من الصراعات، تم تشريع عيد للعمال وجعله عطلة وطنية من خلال تمريره إلى الكونجرس والموافقة عليه بالإجماع، فقط بعد ستة أيام من انتهاء الإضراب. وكان كليفلاند يشعر بالقلق لتواؤم عطلة عيد العمال مع الاحتفالات بيوم مايو الدولى، والذى قد يثير مشاعر سلبية مرتبطة بقضايا هايماركت عام 1886، عندما أطلق أفراد شرطة شيكاغو النار على عدد من العمال أثناء إضراب عام مطالبين بحد أقصى لعدد ساعات اليوم الواحد لا يزيد على ثمانى ساعات، وقد راح ضحية تلك الحادثة العشرات من أولئك العمال. وقامت الخمسون ولاية أمريكية بالاحتفال بعيد العمال كعطلة رسمية.
***
أما عن الواقع المصرى فيعود الفضل فى إقرار «يوم للعمال»، وتحويله إلى احتفالية كبرى للرئيس الراحل جمال عبدالناصر، حرصا منه على مشاركة العمال عيدهم بنفسه، ولكن خلال فترة حكم عبدالناصر كانت الخطبة التى يلقيها عبدالناصر حماسية ويتحدث فيها الرئيس عن مشكلات وأزمات العمال، وتأكيد ضرورة العمل على حلها، دون التطرق إلى المنح أو المخصصات المالية. ثم ظهرت فى الحقبة الساداتية المنحة التى تقدمها الدولة فى صورة مكافآت أو منح للعمال لتحفيزهم على زيادة الإنتاج. وحتى يومنا هذا بقى تقليد عيد العمال على ما هو وما به من طقوس، ولكن يبدو أن الوضع ربما يكون متغيرا هذا العام عن سابقيه حيث تشير المؤشرات إلى أن مجلس النواب المصرى سوف يناقش مشروع قانون العمل الجديد، وهو القانون المعنى بتنظيم علاقات العمل فيما يسمى بالقطاع الخاص، وإلى أى مدى سيُعد القانون الجديد مكافأة للعمال، أم سيكون انحيازا لأصحاب الأعمال، ففى وقت اشتد فيه شد الحزام قهرا من قبل فئات عديدة من المجتمع المصرى، صار شد الحزام أشد فى مجتمع العمال، فى ظل ارتفاع نسبة الفقر، وارتفاع جنونى فى الأسعار، واتجاه الدولة لرفع الدعم عن المواد البترولية والكهرباء. وبنظرة مبدئية على مشروع قانون العمل المقدم من الحكومة إلى مجلس النواب نجد فيه العديد من أوجه العوار أو القصور، فأول مثالب هذا المشروع والتى تمثل انحيازا إلى فئة أصحاب الأعمال ما جاء فى المادة الثانية عشرة من هذا المشروع، والتى تقر على استحقاق العمال لعلاوة سنوية لا تقل عن 7 % من الأجر التأمينى، وأول ما يلاحظ هو تقرير نسبة العلاوة على الأجر التأمينى، وهو الأجر الذى يقوم صاحب العمل بكتابته لدى التأمينات، وهو فى الحقيقة يقل تماما عن الأجر الكلى أو الأجر الكامل الذى يتحصل عليه العامل، وبالتالى فإن إقرار العلاوة بناء عليه لا يمثل زيادة حقيقية فى أجر العامل، وكان الأحرى أن يكون حساب هذه النسبة على أساس ما يتقاضاه العامل، أو ما يسمى بالأجر الكلى، وليس الأجر التأمينى، ومن ناحية اقتصادية فهل هذه النسبة الضئيلة المحسوبة على أساس الأجر التأمينى تمثل أدنى نوع من المعادلة مع المتغيرات الاقتصادية التى تطول الأسعار فى كل متطلبات الحياة، فيجب على مجلس النواب مراعاة هذه الطبقة فى أهم ما تسعى إليه وهو لقمة العيش، وتغيير هذا النص إلى حساب النسبة على أساس الأجر الكامل، إن لم يكن أيضا على أساس تغييرها إلى نسبة 10 %، ولم تقف مفاجآت القانون الجديد عند ذلك، بل امتدت لتنال من النساء العاملات، فقد جاءت المادة رقم 50 من ذلك المشروع المعنية بإجازة الوضع، فجعلت مدة هذه الإجازة تشمل الفترة التى تسبق الوضع وتخصم منها، فى حين أن المتعارف عليه أن إجازة الوضع تبدأ من تاريخه، وليست سابقة عليه، كما أنها من زاوية ثانية قانونية تتعارض مع ما جاء النص عليه فى قانون الطفل، والذى اعتبر أن إجازة الوضع تبدأ من تاريخه، وليست سابقة عليه، هذا بخلاف ما جاء بذلك المشروع من أمور عديدة، مثل ما جاء فى المادة رقم 26 وسايرتها فى ذلك المادة 58، وهما المادتان اللتان قد سمحتا بتدريب الأطفال بداية من سن الثالثة عشرة، وهو من الأمور التى قد تؤدى إلى اغتيال الطفولة فى مثل هذه السن المبكرة، كما أنها قد تكون بابا مواربا للتسرب من التعليم، تحت هذا المسمى، برغم مما هو مكتوب نصا، من عدم جواز تعارض ذلك مع استمرار تعليم الطفل، هذا بخلاف ما جاء النص عليه فى المادة رقم 127 من هذا المشروع، والتى أتت بنص عجيب، وهو ما يتيح إنهاء علاقة العمل ما دامت مدة علاقة العمل أقل من ست سنوات من قبل صاحب العمل. وهذه مجرد أمثلة لما احتواه مشروع قانون العمل الجديد، وليس حصرا بكل ما جاء فيه.
***
وإذا ما عدنا إلى مناسبة عيد العمال، والذى كان من أساسه سعيا لحصول العمال على المزيد من الحقوق، والتى كان أهمها الحقوق التنظيمية، مثل الحق فى الإضراب، وتكوين النقابات العمالية، وكذلك تقنين ساعات العمل بما يمنع السخرة واستغلال الطاقات العمالية، فهل نرى فى مصر انفراجة فى هذه الأمور الأساسية للمجال العام العمالى، أو الديمقراطى، وهل سيأتى القانون بما يضمن إتاحة الفرصة لعمل تشكيلات نقابية تضمن حقوق العمال، ويضمن لهم حقهم فى الإضراب السلمى عن العمل ضمانا لحقوقهم، أما سيكون القانون الجديد تضييقا جديدا للمجال العام والعمل النقابى المصرى، والذى يعانى من حالة اختناق تام أقعدته عن الحركة، وباتت الحركة السلمية المصرية فى حاجة إلى إعادة بعث الحياة فيها. أم سيقف أمر عيد العمال عند عادته المصرية فى مقولة المنحة يا ريس؟