قمة ترامب - ماكرون: حلفاء ولكن على اختلاف
ناصيف حتى
آخر تحديث:
الإثنين 30 أبريل 2018 - 10:10 م
بتوقيت القاهرة
«زيارة الدولة» التى قام بها الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون إلى الولايات المتحدة أظهرت بقدر ما أن هنالك علاقة مودة شخصية بين الرئيس الأمريكى والرئيس الفرنسى، كما دلت على ذلك مظاهر الترحيب التى رافقت الزيارة بقدر ما أن هنالك اختلافا سياسيا واسعا وأساسيا بين الاثنين فى التعامل مع القضايا الدولية الرئيسية.
ماكرون جاء إلى واشنطن متحدثا باسم الاتحاد الأوروبى فى القضايا الأساسية التى تناولتها القمة. اتسم الرئيس الفرنسى بواقعية شديدة فى تعامله وفى رؤيته للملفات الدولية وبنظرة شمولية وعملية للأمور. وكذلك بتأكيده على أهمية التعاون الدولى المتعدد الأطراف باعتباره مصلحة للجميع. كان ذلك أحد أهم المواضيع التى أثارها الرئيس الفرنسى فى خطابه أمام الكونجرس الأمريكى. خطاب أظهر بشدة وبوضوح المسافة السياسية التى تفصل بين الرئيسين الفرنسى والأمريكى فى نظرتهما إلى القضايا الدولية وفى رؤيتهما لكيفية التعامل مع هذه القضايا ولتحديد الأولويات الدولية.
لم يكن مفاجئا تأكيد ماكرون على أهمية التعاون الدولى المتعدد الأطراف، وهو الذى يؤكد أهمية حرية التجارة وتعزيز الاتفاقيات الدولية التى تخدم جميع أطرافها، وأهمها دون شك اتفاقية الاحتباس الحرارى أو اتفاقية باريس. الاتفاقية التى يأمل ماكرون أن تعود الولايات المتحدة إلى الالتزام بها.
ينعكس هذا الموقف الفرنسى بالطبع فى تأكيد الرئيس الفرنسى وتكراره لأهمية إعادة صياغة البناء الأوروبى لتعزيز الدور الأوروبى داخليا ودوليا، كذلك تأكيده على أهمية إقامة علاقات جديدة ومختلفة. علاقات متحررة من إرث الماضى بين الاتحاد الأوروبى وإفريقيا بما يخدم ويعزز مصالح الطرفين. من جهة أخرى، يتسم الرئيس الأمريكى بنظرة اجتزائية إلى الأمور وبمقاربة صدامية واستعلائية فى التعاطى مع كثير من الحالات. يبرز ذلك مثلا عندما يرفع شعار «أمريكا أولا» أو يؤكد على السياسات الحمائية فى التجارة الدولية أو على الموقف الصدامى فى ما يتعلق بالاتفاق النووى مع إيران. بمواقفه هذه، لا يأخذ الرئيس الأمريكى بالاعتبار تداعيات هذه المواقف إذا ما تحولت إلى سياسات، ليس فقط على القوى الأخرى، بل أيضا على المصالح الأمريكية وعلى الاستقرار والسلم الدوليين.
***
فى رده على الملاحظات الشديدة التى أطلقها وكان قد كررها مرارا الرئيس الأمريكى فى ما يتعلق بالاتفاق النووى مع إيران، جاء التأكيد الفرنسى على لسان الرئيس ماكرون بأنه يجب الحفاظ على الاتفاق والعمل على تعزيزه مستقبلا من خلال ما أسماه مقاربة شمولية مع إيران تربط بين مختلف العناصر التى تشكل قضايا خلافية غربية مع إيران.
الطرح الفرنسى يقوم على عناوين أربعة مترابطة كما أشرنا:
أولا: الحفاظ على الاتفاق الراهن إذ لا بديل عنه.
ثانيا: العمل على بلورة اتفاق جديد لما بعد الانتهاء من هذا الاتفاق عام ٢٠٢٥، البدء بالعمل على اتفاق جديد يأخذ بالملاحظات الأمريكية، كما طرحها ترامب، ولكن يؤكد على العمل على بلورة اتفاق لا يسمح لإيران بشكل أو بآخر بتطوير قدرة نووية عسكرية مستقبلا.
ثالثا: العمل على منع إيران من تطوير صواريخها الباليستية، واحتواء هذا الأمر بغية إيقافه نهائيا.
رابعا: بلورة سياسة لتسوية القضايا فى المنطقة واحتواء التمدد الإيرانى فى النقاط المشتعلة فى الشرق الأوسط.
أهمية الرؤية الفرنسية إنها تقوم على الأخذ بعين الاعتبار بوجود ترابط وتداخل شديدين بين مختلف هذه الملفات، فلا يمكن النجاح بملف دون العمل على الملفات الأخرى.
رغم ذلك فإن الموقف الفرنسى ما زال يعتقد أن الرئيس الأمريكى لن يتجاوب باتجاه التراجع عن تهديده بالانسحاب من الاتفاق فى ١٢ مايو القادم. يبقى الشىء الوحيد الممكن إلى جانب هذا الانسحاب تخفيف نتائجه كأن لا تعود الولايات المتحدة بشكل سريع إلى فرض عقوبات شديدة على إيران تطال مصالح الدول الغربية التى انخرطت فى علاقات اقتصادية وتجارية مع إيران.
لكن هذا الأمر لا يمكن أن ينجح بأى حال باعتبار أن انسحاب الولايات المتحدة من هذا الاتفاق سيؤدى إلى رد فعل إيرانى، مما يسقط الاتفاق عمليا.
خلاصة الأمر أن الرئيس الفرنسى حاول فى هذه القمة الثنائية أن يعمل على شراء بعض الوقت من خلال محاولة إقناع الرئيس الأمريكى بإعادة النظر بموقفه الذى كان موقفا انتخابيا، ثم صار موقفا رسميا منذ استلامه السلطة.
إعادة النظر بهذا الموقف على أن يندرج فى استراتيجية احتواء شاملة لإيران تقوم على الانخراط المباشر مع الإيرانيين بغية التعامل مع جميع الأبعاد الثلاثة الأخرى التى أشرنا إليها سابقا. هل تنجح محاولة الرئيس ماكرون أم لا؟ إنها أيام قليلة تفصلنا عن الموعد الذى يحمل الجواب على هذا السؤال، رغم أننى أستبعد، وبقوة، احتمال وجود تجاوب أمريكى مع الطرح الفرنسى.