تسيّس الاتحاد الأوروبي
صحافة عربية
آخر تحديث:
الأحد 30 أبريل 2023 - 7:10 م
بتوقيت القاهرة
نشرت صحيفة المغرب التونسية مقالا للكاتبة آمال قرامى، وصفت فيه تصريحات أعضاء الاتحاد الأوروبى تجاه القضايا التونسية بأنها متحيزة وتعبر عن استعلاء دول الشمال على دول الجنوب، كما أنها تؤثر فى الوعى الجمعى للشعب التونسى. تساءلت الكاتبة عن موقف حكومة دولتها تجاه هذه التصريحات، مطالبة إياها بتنفيذ خطة إصلاح لتحقيق الاستقرار الداخلى، وكسب ثقة شعبها... نعرض من المقال ما يلى:
تحتل تصريحات عدد من ممثلى الاتحاد الأوروبى ومواقف أعضائه من تونس الصدارة فى مستوى التغطية الإعلامية واهتمام الرأى العامّ الذى يتابع هذه الخطابات التى لا تأخذ بعين الاعتبار الوضع الصعب الذى تمرّ به بلدان الجنوب بسبب العولمة والنظام النيوليبرالى وسياسات الانغلاق التى برزت بعد صعود أحزاب اليمين والتحولات المناخية وغيرها من العوامل، فضلا عن تحيّز أصحاب هذه الخطابات ودفاعهم الشرس عن وجهة نظر بلدان الشمال مرسّخين بذلك علاقات القوّة ومنطق الهيمنة. وتوضّح هذه المواقف ما سيترتب عن تسيّس «politisation» الاتحاد الأوروبى من نتائج وخيمة ستفضى بالضرورة، إلى تأزّم الوضع فى تونس أكثر فأكثر.
وبالرغم من أنّ «التسيّس» يعدّ مصطلحا حديث العهد فى العلوم السياسية فإنّ ذلك لم يمنع سرعة انتشاره إذ صار الحديث عن تسييس الدين، والإعلام والأكاديمية والمؤسسات الثقافية وحتى الرياضة.. وباتت المطالبة بتحرير مجالات ومؤسسات من سطوة التسييس dépolitisation تفاديا للصراعات والمواجهات.
أمّا تسيّس الاتحاد الأوروبى الذى بدا واضحا فى صياغة السياسات والاستقطاب الحدى والخلافات بين أهمّ الدول، فإنّه يخضع لاعتبارات داخلية وخارجية ذات صلة بفاعلين متعددين كأصحاب رءوس الأموال، وأهل الإعلام والاحزاب السياسية وغيرهم، وهو يعود، حسب عدد من الدارسين، إلى محطات تاريخية متعددة وسياقات متنوعة (الأزمة المالية 2006، وصولا إلى البركسيت Brexit 2020 وأزمة كوفيد 2022).
ضمن هذا الإطار احتلّت أزمة تدفق المهاجرات والمهاجرين اللانظاميين، وموقف النظام التونسى من هذا الموضوع والأزمة الاقتصادية ــ السياسية ــ الاجتماعية التى تمر بها الدولة التونسية أهميّة بالغة فى توجيه النقاش وجهة سياسية بامتياز، وتبرير بعض المواقف وتبنّى بعض الاستراتيجيات للتأثير فى اتّخاذ قرار مساعدة الحكومة التونسية من عدمها، وهو أمر يؤكّد أوّلا: أنّ مسار تسييس الاتحاد الأوروبى يتصاعد كلّما برزت الأزمات والأحداث الاستثنائية وكثرت التحديات، وثانيا: أنّ التسييس يشكّل الوعى الجمعى ويساهم فى التعبئة السياسية وبناء التحالفات وتغيير خارطة الولاءات، وثالثا: أنّ التسييس باعتباره انخراطا فى اللعبة السياسية، يفرض الوعى بالسياق الاجتماعى والرأسمال الثقافى وباستراتيجيات الابتزاز وغيرها من العوامل.
وعلى هذا الأساس فإنّ الأزمة الاقتصادية وتضخم ديون تونس وكيفية مساعدتها لا تمثّل شأنا داخليا خاصّا بل تتحوّل إلى موضوع تتناقش فيه الدول الأوروبية وتعمل فيه كل واحدة على بناء صورة للدولة التونسية وللنظام وللرئيس وللشعب والمؤسسات. ولا نبالغ أنّ هذا الموضوع بات خلافيا ومساهما فى توتير العلاقات داخل الاتحاد الاوروبى ذاته ولذا لا ينفكّ أبر الأعضاء عن التذكير بالإكراهات والتنبيه إلى المخاطر وممارسة الضغوط من أجل فرض الموقف النهائى.
وأمام هذه التحركات النشطة ذات النسق السريع التى تحسب لوحدة الاتحاد الأوروبى وقوّته ألف حساب، وتعمل على دعم شرعيته باعتباره يمثل تكتلا سياسيا «ديمقراطيا» يجوز التساؤل هل تتخذّ الحكومة التونسية إجراءات مستعجلة؟ وهل سعت إلى بناء التحالفات والتأثير فى القرار؟ وهل رسمت خطّة للمواجهة؟ وهل وضعت استراتيجية إعلامية رسمية للردّ أم أنّها اكتفت بالمتابعة وانتظار القرار بكل سلبية؟
لم يشفع لنا تاريخ طويل من وضع التصورات لتموقع تونس فى خارطة العلاقات الدولية، ولم يشفع لنا ما تراكم عندنا من خبرات سابقة فى بناء التحالفات ولم تشفع لنا إرادة الحياة وتصميم الشعب على تغيير مراكز اتخاذ القرار والمعايير ونمط العلاقات بين الشمال والجنوب. ومن هذا المنطلق يتعيّن القيام بمراجعات أساسية فما هو مطلوب من الدولة التونسية: إدماج الأجسام الوسيطة ومختلف مكونات المجتمع الدولى فى تنفيذ خطة الإصلاح الجوهرى ودعمها والسهر على تحقيق الاستقرار الاقتصادى والمالى والسياسى، والعمل على اكتساب ثقة الشعب التونسى وطمأنتهم على ما سيئول إليه بعد تنفيذ التصورات الجديدة لنظام حكم يجهلون مدى واقعيته إذ لا يخفى أنّ التاريخ التونسى يثبت أنّ نسق الاحتجاجات يتصاعد كلّما ضعفت المقدرة الشرائية وفقد الشعب التونسى إحساسه بالأمان.