نشر مركزCenter For Strategic and International Studies مقالا للكاتب دانيال روند تناول فيه تنامى نفوذ الصين فى منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبى وما له من تهديدات على الأمن القومى للولايات المتحدة، ويرى أن موافقة الكونجرس والحزب الديمقراطى والجمهورى على مشروع قانون الابتكار والمنافسة الأمريكى، الذى يناقش حاليا فى مجلس الشيوخ، يشكل خطوة إيجابية واعترافا بخطورة ما تشكله الصين من تهديد... نعرض منه ما يلى:فى محاولات الكونجرس وضع سياسات شاملة بشأن الصين، نتج مشروع قانون تاريخى وهو قانون الابتكار والمنافسة الأمريكى المؤلف من 1445 صفحة والذى يجمع بين التشريعات السابقة، ولاسيما قانون «الحدود اللانهائية» المتعلق بالتكنولوجيا والبحث وقانون المنافسة الاستراتيجية الذى يركز على الدبلوماسية والأمن لعام 2021. هذا التطور يدل على توافق الكونجرس حول أهمية وضع قوانين تحكم عصر تنافس استراتيجى جديد بين الصين والولايات المتحدة.
بينما أشار المشرعون الأمريكيون إلى زيادة النفوذ الصينى فى أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبى لعقود، إلا أنه لم يتم تبنى أى خطوة لمواجهة هذا النفوذ المتزايد. هذا القانون يقدم فرصة لتغيير هذا الوضع فى منطقة تمثل جوارا مباشرا للولايات المتحدة ومنطقة ضرورية لأمن الولايات المتحدة القومى.
ومع طرح مجلس الشيوخ لهذا القانون فى الأيام المقبلة، يجب على المشرعين استغلال هذه الفرصة لتحديد إطار عمل أمريكى يوفر بدائل عملية وملموسة لخطر زيادة التمويلات من المنافسين الأمريكيين فى أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبى. سيكون على الولايات المتحدة، سواء من قبل الحكومة الأمريكية أو من خلال تعبئة رأس المال الخارجى، تقوية ميزانيات تلك الدول. بشكل مباشر، يمكن للولايات المتحدة زيادة جهود مؤسسة تمويل التنمية وبنك التصدير والاستيراد الأمريكى وتقديم مساعدات ثنائية من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. إلا أن حجم وكفاءة واستدامة تلك الجهود قد تكون محدودة. لاستكمال هذه الجهود، يجب على الولايات المتحدة أن تتطلع إلى المؤسسات متعددة الأطراف لتنويع أعباء التمويل وتسهيل استثمارات أكبر على نطاق واسع. على وجه التحديد، تعتبر الأحكام الواردة فى قانون الابتكار والمنافسة الأمريكى لتطوير استراتيجية جديدة لأمريكا اللاتينية والكاريبى والموافقة على زيادة رأس المال فى بنك التنمية للبلدان الأمريكية نقطتين جيدتين للبدء بهما.
نما النفوذ الصينى فى أمريكا اللاتينية والكاريبى بشكل كبير فى السنوات الأخيرة. فى مطلع القرن، لم تكن الصين ضمن أكبر خمسة شركاء تجاريين لأمريكا اللاتينية والكاريبى، وكانت الولايات المتحدة الشريك الأبرز. ولكن بحلول عام 2018، أصبحت الصين ثانى أكبر شريك تجارى للمنطقة. على الرغم من أن التدفقات التجارية للصين مع المنطقة ككل كانت لا تزال أقل بكثير من الولايات المتحدة، إلا أن الصين أصبحت الشريك التجارى الأكبر للاقتصادات الإقليمية الرئيسية بما فى ذلك البرازيل وتشيلى وبيرو وأوروغواى.
أما عن الاستثمارات، فقد فاقت استثمارات الصين فى أمريكا اللاتينية والكاريبى فى بعض الأحيان الجهود المشتركة للبنك الدولى وبنك التنمية للبلدان الأمريكية وبنك التنمية لأمريكا اللاتينية. وركزت الاستثمارات على مشاريع البنية التحتية والطاقة على الأرجح لدعم مبادرة الحزام والطريق التى انضمت إليها 19 دولة فى أمريكا اللاتينية والكاريبى.
زادت الصين أيضًا من قوتها الناعمة وعززت جهودها للتأثير على الإعلام والمجتمع المدنى. إن النفوذ السياسى المتزايد فى المنطقة واضح أيضًا حيث تراجعت مجموعة من الدول عن العلاقات الدبلوماسية الرسمية مع تايوان. منذ عام 2017، قطعت جمهورية الدومينيكان وبنما والسلفادور العلاقات مع تايوان. اليوم هناك 15 دولة فقط لديها علاقات دبلوماسية كاملة مع تايوان، وعلى الرغم من أن 9 دول منها من أمريكا اللاتينية والكاريبى، إلا أن هذا الرقم يتقلص بسرعة أكثر من أى وقت مضى.
توفر جائحة كورونا فرصة للولايات المتحدة لإعادة اهتمامها بأمريكا اللاتينية والكاريبى. تضررت المنطقة بشكل كبير اقتصاديا وصحيا، وحتى قبل الجائحة كان اقتصاد المنطقة يعانى بالفعل من معدلات النمو البطيئة. سيكون على الولايات المتحدة التحرك سريعا، حيث أن الصين خلال الوباء اتخذت خطوات لتوفير الأدوات واللقاحات لأمريكا اللاتينية والكاريبى. وفى هذا الشأن، قانون الابتكار والتنافس الأمريكى لديه نقاط جيدة يجب الحفاظ عليها.
أولا، يدعو القانون وزير الخارجية لقيادة عملية إنشاء استراتيجية إقليمية تمتد لعدة سنوات. يوفر هذا فرصة لوضع سياسة أمريكية إيجابية وتطلعية ومتجذرة فى فهم أن بلدان أمريكا اللاتينية والكاريبى شركاء متساوون. تعد قمة الأمريكتين 2021 التى تستضيفها الولايات المتحدة مكانًا جيدًا للبدء.
ثانيًا، يشير القانون إلى أهمية زيادة رأس المال المقترح لبنك التنمية للبلدان الأمريكية، وهى خطوة استراتيجية من شأنها زيادة التمويل متعدد الأطراف لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبى. منذ إنشائه فى عام 1959، كان بنك التنمية للبلدان الأمريكية ذات المصداقية لدعم التنمية من خلال العمل الجماعى فى الأمريكتين. يمكن أن تركز الزيادة المقترحة لرأس المال على التعافى من وباء كورونا ويمكن أيضًا استخدام الموارد فى جهود أكبر للتأهب للكوارث.
ثالثًا، إلى جانب منع الصين من الحصول على فرص إقراض فى أمريكا اللاتينية والكاريبى من خلال توفير آليات بديلة، تحتاج الولايات المتحدة إلى حشد الجهود لإخراج الدول من فخ الديون الصينية. منذ عام 2005، خصصت الصين 137 مليار دولار فى شكل قروض للمنطقة. وأثارت قروض البنية التحتية الصينية الكثير من المشاكل، مثلما حدث فى الإكوادور عندما ابتلى السد الذى تموله الصين بالفساد والأعطال المميتة والآثار الاقتصادية السلبية، وما أدى ذلك إليه من إعادة التفاوض بشأن ديون بقيمة 900 مليون دولار يتعين سدادها بالنفط. مشروع قانون الابتكار والمنافسة الأمريكى يقترح أساليب إبداعية لمواجهة تهديد الديون الصينية.
المنافسة الاستراتيجية مع الصين فى أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبى تدور حول الميزانيات. الموقف حاليا لا يترك خيارا لدول أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبى سوى مواصلة التعاون مع الصين. إلا أن قانون الابتكار والمنافسة الأمريكى المقترح فى مجلس الشيوخ يوفر بدائل اقتصادية عملية وتنافسية تتماشى بشكل مباشر مع المصالح الأمريكية قصيرة وطويلة الأجل.
إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى