ابتكروا.. ابتكروا.. ابتكروا

توماس فريدمان
توماس فريدمان

آخر تحديث: الثلاثاء 30 يونيو 2009 - 6:03 م بتوقيت القاهرة

 قبل بضعة أسابيع، حضرت مؤتمرا فى سان بطرسبرج، وأجريت حوارا مع كريج باريت، رئيس مجلس الإدارة السابق لشركة إنتل. ودار الحوار حول الكيفية التى يجب أن تخرج بها أمريكا من أزمتها الاقتصادية الحالية. وكان اقتراحه الأول هو: أن أى طفل أمريكى يرغب فى الحصول على رخصة قيادة عليه أن ينهى دراسته بالمرحلة الثانوية. فبغير شهادة الثانوية، لا يمكن الحصول على رخصة. فلماذا نريد أن نضع طفلا يستطيع بالكاد أن يجمع الأرقام، أو يقرأ، أو يكتب خلف عجلة قيادة سيارة؟

والآن، ما علاقة ذلك بانتشالنا من الركود الكبير؟ هناك علاقة كبيرة. فتاريخيا، كانت فترات الركود هى الفترات التى تولد فيها شركات جديدة مثل مايكروسوفت، تتجنب شركات جيدة منافسة لها. وهذا منطقى. ففى أوقات الضيق، يبحث الناس عن وسائل جديدة وأقل تكلفة، لأداء مهام قديمة. فالحاجة هى أم الاختراع.

ومن ثم، فإن الدولة التى تستخدم هذه الأزمة لجعل مواطنيها أكثر ذكاء وأكثر قدرة على الابتكار ــ وتمد شعبها بالمزيد من الأدوات والبحوث الأساسية لابتكار سلع وخدمات جديدة ــ هى الدولة التى لن تنجو فحسب، ولكنها ستواصل الازدهار أيضا.

فربما نكون قادرين على أن ننشط فى طريق عودتنا إلى الاستقرار، ولكن علينا أن نبتكر طريقنا للعودة إلى الازدهار. نحن بحاجة لأن يصبح كل شخص، على كل مستوى، أكثر ذكاء.

ومازلت أعتقد أن أمريكا، بما تنفرد به من حريات، وصناعة الاستثمار فى رأس المال، وجامعات البحوث، والانفتاح أمام المهاجرين الجدد، لديها أفضل الأدوات التى تمكنها من استغلال هذه اللحظة؛ لابتكار ما يجعلنا خارج المنافسة. ولكن ينبغى أن نحقق أقصى استفادة من هذه الامتيازات فورا.

فروسيا، فيما يبدو لى، تهدر بوضوح الفرص التى تطرحها هذه الأزمة. فقد تعافت أسعار البترول من 30 دولارا إلى 70 دولارا للبرميل بسرعة شديدة، ومن ثم، لم يعد هناك ضغط على روسيا لتطبيق إصلاح فعلى، وتنويع اقتصادها. ويبدو أن المعركة على روح روسيا الاقتصادية فيما بعد الشيوعية ــ ما إذا كان انتماؤها إلى أوبك أكثر من انتمائها لمنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، بمعنى أن تحصل على قدر أكبر من ثروتها من حفر مناجمها وليس من استغلال عقول أبنائها ــ انتهت الآن. وأكبر مقصورتى عرض فى معرض سان بطرسبرج، الذى يسوّق للاقتصاد الروسى، تتبعان «جازبروم» شركة البترول والغاز المملوكة للدولة، و«سبربنك» أكبر بنك روسى مملوك للدولة. ولا توجد تقريبا الشركات التى تنتج فعليا السلع التى يريدها العالم: فثلثا صادرات روسيا اليوم من البترول والغاز. تدر جاز بروم المال، ويقوم سبربنك بإقراضه للخارج.

وكما يوضح أحد المصرفيين الغربيين، عندما يصبح سعر البرميل 35 دولارا فإن روسيا «لا يصبح أمامها خيار» سوى تطبيق الإصلاح، لتنويع اقتصادها، وتطبيق القواعد القانونية والحوافز التى تشجع فعليا المشروعات الصغيرة. ولكن عندما يصبح سعر البرميل 70 دولارا، يستلزم الأمر عملا من أعمال «الإرادة السياسية»، على غرار السياسة النفطية القديمة لجهاز المخابرات السوفيتى «كيه. جى. بى». ومن المستبعد أن يستجمع التحالف الذى يسيطر على الكرملين اليوم شجاعته للقيام بذلك. لأن الإفراط فى تطبيق قواعد القانون والشفافية من شأنه أن يقيد حرية الطغمة الحاكمة فى المناورة.

كما تتصرف الصين أيضا بطريقة تجلب المتاعب. فقد عمدت مؤخرا ـ باسم فرض الرقابة على المواد الإباحية ــ إلى حجب الدخول إلى موقع جوجل على الإنترنت، وطالبت أن تكون أجهزة الكمبيوتر التى تباع فى الصين مزودة بفلتر يسمى «جرين دام يوث إسكورت» (السد الأخضر مرافق الشباب) بداية من أول يوليو. ويمكن استخدام هذا الفلتر أيضا لحجب المواقع السياسية وليس الإباحية فحسب. وبمجرد أن تبدأ فى مراقبة المواقع، سوف تكبح القدرة على التخيل والابتكار. إنك تقول للشباب الصينى إنهم إذا رغبوا بالفعل فى الاستكشاف، فعليهم الذهاب خارج البلاد.

ومن ثم، علينا أن نستغل الفرصة. فقد حان الوقت لنرفق بطاقة إقامة مع الشهادة عندما يحصل أى طالب أجنبى على درجة دراسية متقدمة من أى جامعة أمريكية، ويجب أن ننهى جميع القيود على تأشيرات العمل بالنسبة للعاملين فى مجال المعرفة، الراغبين فى المجىء إلى هنا. إنهم سيخلقون العديد من الوظائف أكثر من التى سيشغلونها. ببساطة شديدة: إن أفضل عقول العالم معروضة للبيع.. دعونا نشترى أكثر!

ويرى باريت إننا يجب أيضا أن نستغل هذه الأزمة من أجل:( 1) مطالبة كل دولة بتحديد مستويات التعليم فيها مقارنة بأفضل المستويات فى العالم، وليس بالدولة المجاورة لها. (2) مضاعفة الميزانيات المخصصة للأبحاث العلمية الأساسية فى المؤسسة القومية للعلوم، ووزارة الطاقة، والمعهد القومى للمعايير والتكنولوجيا. (3) تخفيض الضرائب على الشركات. (4) تجديد قانون ساربانز ــ أوكسلى (قانون إصلاح محاسبة الشركات العامة وحماية المستثمرين لعام 2002) لتيسير إقامة المشروعات الصغيرة. ( 5) إيجاد طريقة فعالة من حيث التكلفة من أجل أن تصل الرعاية الصحية لكل أمريكى.

علينا أن نفعل كل ما نستطيع الآن للحصول على المزيد من العقول وربطها بالمزيد من رأس المال لإنتاج المزيد من الشركات الجديدة بصورة أسرع. وكما أوضح جيف إيميت، رئيس شركة جنرال إليكتريك فى خطاب ألقاه يوم الجمعة، هذه اللحظة «فرصة لتحويل الأزمة المالية إلى امتياز وطنى، وإطلاق ابتكارات ذات قيمة دائمة لبلدنا».

ومع ذلك، فأنا أشعر بالقلق أحيانا من أن تكون أموال البترول بالنسبة لروسيا تشبه قدرتنا على طبع النقود بالنسبة لأمريكا. انظر إلى المليارات التى طبعناها للتو من أجل إنقاذ ديناصورين هما: جنرال موتورز وكرايسلر.

وقد كثر الحديث مؤخرا عن سك الدولارات، بينما قل الحديث عن سك أمثال توماس إديسون، وبوب نويس، وستيف جوبس، وبيل جيتس، وفينت كيرف، وجيرى يانج، ومارك أندرسن، وسيرجى برين، وبيل جوى، ولارى بيج. فزيادة تلك القائمة هى الحافز الوحيد الذى يهم. وإلا سوف نصبح مجرد روسيا مع مكبس طباعة.

NEW YORK TIMES SYNDICATION

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved