تحديات أمام الرئيس


هويدا عدلى

آخر تحديث: السبت 30 يونيو 2012 - 8:55 ص بتوقيت القاهرة

يواجه الرئيس المنتخب محمد مرسى عددا من التحديات الجسام، بعضها يحتاج إلى مواجهة سريعة وحاسمة، والبعض الآخر يقتضى بلورة رؤية متكاملة وواضحة بمشاركة شعبية واسعة النطاق.

 

●●●

 

وبداية وقبل تحليل التحديات، لابد من التأكيد على عدد من الأمور: أولها أن الشعب المصرى كان أمام خيارين فى غاية الصعوبة، وعندما اختار لم يرجح كفة مرشح على الآخر بشكل واضح، فالفارق بين المرشحين لم يتجاوز المليون صوت. كما امتنع ما يقرب من نصف الهيئة الناخبة عن التصويت. أن التعامل الحصيف مع مثل هذا الوضع يقتضى سعى الرئيس محمد مرسى لبناء قاعدة شعبية أوسع نطاقا من هؤلاء الذين لم ينتخبوه، وهذا مرهون بقدرته على مجابهة التحديات التالية بشكل عقلانى وشجاع.

 

يتمثل التحدى الأول فى إثبات الرئيس المنتخب أنه رئيس لكل المصريين. والحقيقة أن إثبات هذا الأمر لا يأتى بمجرد استقالته من جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة، ولكن يأتى عبر إثبات أنه قادر على الحركة المستقلة بعيدا عنهم وأنه يتخذ قراراته باستقلالية، ولا يمكن الحكم على ذلك بين يوم وليلة ولكن الأمر يحتاج إلى إصرار منه على الاستقلالية الحقيقية. وربما كان من أبرز الأمور التى ألقت بظلال من الشك على إعلان مرسى أنه رئيس لكل المصريين هو تدخل قيادات من الجماعة فى كيفية قسمه اليمين، والتحدث باسمه سواء عندما أشار قيادى منهم أن الرئيس مرسى سوف يقسم أمام المحكمة الدستورية العليا، فى حين أشار آخر إلى أنه لابد أن يقسم أمام البرلمان المنحل. أمام مثل هذا الوضع الذى لا نستطيع أن نلقى بمسئوليته على عاتق مرسى كاملا، فإننا من حقنا أن نشك كثير فى فكرة رئيس لكل المصريين. وبالفعل أننى لا أستبعد فى ضوء ممارسات الإخوان المسلمين على مدى تاريخها أن الرئيس المنتخب محمد مرسى سيواجه بضغوط شديدة منها كى لا يستقل بقراره عن الجماعة. وهذا هو التحدى الأول والأخطر أمام الرئيس محمد مرسى.

 

التحدى الثانى أمام الرئيس محمد مرسى هو طرح خطاب وطنى واضح المعالم، يوضح موقفه من جميع القضايا: الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وبالأخص موقفه من قضايا المواطنة والحريات العامة جميعها سواء كانت شخصية أو سياسية أو ثقافية. فقد طرأ تغير كبير وخطير ومخيف على بعض قطاعات من الشعب المصرى فى الأيام الأخيرة إذ تعرض كثير من النساء إلى تحرشات لفظية فى الشارع المصرى بسبب أنهن لا يرتدين الحجاب. عليك سيادة الرئيس أن تعلن موقفك من الحريات الشخصية والعامة بصراحة كاملة وبلا مواربة. الأمر الثانى يتعلق بقضية المواطنة، فقضية المواطنة والمساواة فى الحقوق والواجبات أمام القانون وترجمة هذه المساواة على أرض الواقع فى سياسات وممارسات وقرارات من القضايا المصيرية أمام الرئيس القادم وإهمالها وتجاهلها هى من الأسباب الرئيسية التى أدت إلى سقوط النظام السابق. فالتعامل مع قضية المواطنة يتطلب خطاب واضح المعالم حول المشكلات التى تعترض إرساء قيمة المواطنة على المستوى القانونى والواقعى، ورؤية للتعامل مع المشكلات وجرأة فى اتخاذ القرارات وتبنى السياسات التى ترسى قيمة المواطنة قانونا وعلى أرض الواقع. فأساس الدولة الديمقراطية الحديثة هى قيمة المواطنة، بدونها سنتحول على عشائر وقبائل!!

 

اختيار المعاونين هو التحدى الثالث، فكم من اختيارات سيئة ولا تستند إلى الخبرة والكفاءة والرشادة واستندت للولاء أودت بأصحابها إلى الهلاك. فقد عانت مصر تاريخيا من تسييد اعتبارات فى الاختيار ليس لها علاقة بمعايير الموضوعية، ولكنها تسند تارة للولاء وللثقة وتارة أخرى للانتماء السياسى والمحسوبية والعلاقات الأسرية وغيرها. وقد كان ثمن ذلك فادحا ولم يقبل المصريين بعد ثورة 25 يناير نفس الأداء الذى أدى لقيام ذات الثورة. أن نجاح الرئيس محمد مرسى فى توسيع قاعدة مؤيديه يرتهن فى جزء كبير منه بطريقة ومعايير اختياره لفريقه المعاون سواء كان فى مؤسسة الرئاسة أو فى تشكيل الوزارة.

 

●●●

 

التحدى الرابع وبالطبع ليس الأخير هو القدرة على تحقيق المصالحة الوطنية. والحقيقة أنا لا أتحدث هنا عن حقوق الشهداء وغيرها من القضايا المهمة فى تحقيق المصالحة الوطنية لأن كثيرين غيرى استفاضوا فى مناقشاتها، ولكننى أتحدث عن بعد آخر وهو المشاركة فى عملية صنع السياسة. بمعنى أنه مطلوب من الرئيس محمد مرسى أن يرسى قاعدة طالما حُرم منها المصريين وهى مشاركتهم والتشاور معهم فى صنع السياسة. فلم تعد السياسات تصنع فى الغرف المغلقة بل والمظلمة فى الديمقراطيات الحديثة، ولكنها أصبحت تصنع عبر مشاركة شعبية واسعة من كل المواطنين، فهم أصحاب الشأن وتتعدد أدوات وقنوات هذه المشاركة. ففتح قنوات دائمة للحوار مع القوى السياسية المختلفة ومع منظمات المجتمع المدنى حول كل القضايا أمر فى غاية الأهمية وضامن لرشادة السياسات والقرارات المتخذة. كما أنه يحقق قدرا واسعا من الوفاق الوطنى فى المجتمع. فضلا عن السعى لتطبيق اللامركزية فى صنع السياسات وإعادة الاعتبار للمجتمعات المحلية فى هذا الأمر مسألة مهمة أيضا. 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved