التهديد الأمريكى لنظام الأسد.. لهجة حادة غير مدعومة حتى الآن بسياسة
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
الجمعة 30 يونيو 2017 - 9:30 م
بتوقيت القاهرة
إعلان البيت الأبيض معرفة الولايات المتحدة بأن الرئيس الأسد ينوى مرة أخرى شن هجوم بسلاح كيميائى، والتحذير من أنه سيردّ بعنف إذا نفذ الأسد مخططه، يعكس خطوة استثنائية. لكنها ليست الأولى من نوعها. لقد سبق لإسرائيل أن استخدمت أسلوبا مشابها بين السنوات 2000ــ 2006، عندما كانت تردها معلومات استخباراتية عن نية حزب الله القيام بهجمات على طول الحدود، على الأغلب فى منطقة هار دوف [مزراع شبعا]. وفى مرات عدة أبدى حزب الله اهتماما بهذه التحذيرات المسبقة وأوقف مخططاته.
فى مثل هذه الحالات، فإن المطروح على المحك هو العلاقة بين خطورة العمل المخطط له ونوعية المصدر الاستخباراتى الذى نقل المعلومة. ومن الواضح أنه عبر هذا الإعلان يخاطر الأمريكيون بأن يكتشف نظام الأسد مصدر المعلومة ويؤذيه، سواء أكان المصدر هو عميل مخابرات، أو معلومة جرى الحصول عليها بواسطة اختراق سيبرانى أو من خلال التنصت على خطوط الاتصالات. ويجب أن نتوقع أن الأمريكيين درسوا كل هذه الاعتبارات مسبقا، وأن ما يجرى هنا ليس زلة لسان جديدة مثل زلة لسان الرئيس ترامب [لدى اجتماعه مع الرئيس الروسى فى نهاية مايو الماضى]، التى أضرت بعملية جمع المعلومات الاستخباراتية عن تنظيم داعش (وفقا لتقارير كثيرة، فإن مصدر المعلومة كان إسرائيل).
إن قرار الإدارة الأمريكية التهديد مجددا بهجوم عقابى يستحق التقدير، وذلك بعد قرارها فى إبريل إطلاق صواريخ من البحر على قاعدة جوية تابعة للنظام فى حمص، ردا على الهجوم الكيميائى على إدلب. وفى الحالتين، يبدو ترامب مستعدا لأن ينتهج خطا فعالا أكثر حيال الأسد، بالمقارنة مع التهديدات الجوفاء للرئيس السابق باراك أوباما. وبعد بيان البيت الأبيض وجّهت سفيرة الولايات المتحدة فى الأمم المتحدة نيكى هايلى تحذيرا إلى روسيا وإيران، الدولتين الداعمتين للأسد.
لكن فيما يتعلق بكل ما له علاقة بسياسة الإدارة الجديدة، هناك فجوة بين التهديدات والأفعال، وبين الخطوات التكتيكية والسياسة الاستراتيجية فى الشرق الأوسط. صحيح أن ترامب يبدو أكثر حزما من أوباما، لكن يبدو، ببساطة، أن جزءا من اهتمامه هو انتهاج سياسة مخالفة للرئيس الذى سبقه كى يثبت الاختلاف بينهما. إنما عمليا، وبعد مرور خمسة أشهر على تنصيب الرئيس، يبدو أنه ليس لدى الأمريكيين سياسة متماسكة فى الشرق الأوسط باستثناء الحاجة إلى الظهور بمظهر صارم، والأولوية الكبرى التى يعطيها الرئيس لمحاربة تنظيم داعش، فليس من الواضح تماما ما الذى يريد الأمريكيون تحقيقه فى سورية وفى المنطقة بصورة عامة. وقد جاء التهديد [الأمريكي] للأسد فى خضم ذروة أحداث دراماتيكية تحدث فى شتى أنحاء سورية: تشديد الحصار على الرقة، عاصمة خلافة داعش؛ الصراع الدائر بين ميليشيات سنية مدعومة من الولايات المتحدة وميليشيات شيعية تتماهى مع نظام الأسد وإيران من أجل تحقيق السيطرة على مناطق واسعة تخلت عنها داعش فى محافظة دير الزور؛ والحوادث الجوية التى وقعت بين الولايات المتحدة والنظام السورى وإيران فى شرق سورية؛ والجهد الذى يبذله الأسد لاستعادة مناطق واسعة فى جنوب سورية بالقرب من الحدود مع الأردن.
فى جميع هذه المجالات، يبدو أن ترامب لم يبلور بعد سياسة أو أهدافا، لكنه أعطى حرية أكبر لقادة القوات الأمريكية الموجودة على الأرض (خاصة سلاح الجو، ومستشارين، ووحدات خاصة). وحتى إسرائيل تجد صعوبة فى فهم ماذا تريد الإدارة الأمريكية، ويدور داخل المؤسسة الأمنية نقاش بشأن ما هو الأفضل أن يحدث: هل حزم أمريكى أكبر فى مواجهة إيران وروسيا من شأنه أن يؤدى إلى لجم جهودهما، أم أن هناك خطر نشوب احتكاك مباشر بين الدول العظمى يمكن أن ينعكس على ما يجرى هنا؟
إن المشكلة لا تنحصر فقط فى أن الإدارة الأمريكية لم تجر بعد تعيينات فى عدد كبير من المناصب فى الخارجية الأمريكية وفى البنتاغون لها علاقة ببلورة سياسة خارجية، بل وأيضا فى الصعوبة التى تلاقيها إسرائيل فى تنظيم طرق تواصل لمناقشة مشكلات استراتيجية مع ترامب وموظفيه. فمنصب رئيس مجلس الأمن القومى فى إسرائيل لم يُعيّن فيه أحد بصورة دائمة منذ عامين، أى منذ استقالة العميد (فى الاحتياط) يعقوب عميدرور. ومستوى التنسيق عبر قنوات أخرى ليس جيدا كما كان سابقا.
قال رئيس معهد دراسات الأمن القومى فى جامعة تل أبيب اللواء (فى الاحتياط) عاموس يادلين لـ«هاآرتس»، إن المصالح الأمريكية والإسرائيلية فى سورية متطابقة تقريبا، لكن المطلوب توثيق الصلة بين الدولتين كى يكون من الممكن الاتفاق على توجّه مشترك حيال الوضع هناك، الآخذ فى التعقيد من عدة نواح.
فى ضوء الأحداث التى تجرى فى مناطق أخرى فى سورية، فإن ما جرى فى هضبة الجولان فى الأيام الأخيرة يوضح أنها ساحة ثانوية، هامشية تقريبا. فمنذ نهاية الأسبوع ازدادت حدة المعارك بين نظام الأسد وتنظيمات المتمردين السنة، ومن بينهم جبهة النصرة التى تتماهى مع القاعدة. وأدى ارتفاع حدة التوتر إلى انزلاق غير مقصود لنيران أطلقتها قوات النظام إلى داخل أراضى إسرائيل. وجاء الرد الإسرائيلى قاسيا وترافق بتهديدات واضحة، لكن عمليا لا ترى إسرائيل سببا لزيادة تدخلها فى ما يحدث هناك، أو لاتخاذ خطوات غير القصف العقابى إذا سقطت قذيفة مدفعية سورية داخل أراضى إسرائيل.
عاموس هرئيل