أسئلة الاشتراكية العربية
علي محمد فخرو
آخر تحديث:
الأربعاء 30 يونيو 2021 - 7:25 م
بتوقيت القاهرة
الحديث عن ضرورة تواجد قدر كافٍ من العدالة الاجتماعية فى بلاد العرب، بكل مكوناتها الأساسية المتفق عليها فى أدبيات الفكر السياسى ومضافا إليها مكونات جديدة تطالب بها هذه الجماعة أو تلك، يطرح منطقيا سؤال النظام السياسى – الاقتصادى الأفضل لإدارة أنظمة العدالة الاجتماعية وحمايتها وتطويرها الدائم نحو الأشمل والأحسن.
ومن المؤكد بأن النظام النيوليبرالى الرأسمالى لن يكون الأفضل: أولا بسبب تعارض الكثير من أسسه ومنطلقاته، من مثل تقليص حجم الحكومات ومسئولياتها لتقتصر مسئولياتها أساسا بالأمن الخارجى والداخلى وبعض الخدمات الاجتماعية المحدودة للفقراء، وترك كل ما يتعلق بالاقتصاد لمنطق السوق الحر المتنافس، وتفضيل متطلبات الفردانية على متطلبات الجماعة، والتعايش مع الفروق الهائلة الظالمة فى توزيع ثروات المجتمع المادية والمعنوية.. إلخ، وتعارض كل ذلك مع أسس ومنطلقات فكر ومنهجية العدالة الاجتماعية. وثانيا بسبب ما جاء به هذا النظام العولمى، خصوصا فى الأربعين سنة الماضية، من أزمات وتطورات كارثية أفقرت الملايين وأغنت القلة ودمرت البيئة وسطحت الثقافة وشوهت النظام الديمقراطى.
وإذن فالمنطق يقتضى التفتيش عن نظام سياسى – اقتصادى آخر يختلف جذريا عن ذاك النظام الفاشل، إذ إن منطق الترقيع والإصلاحات الهامشية وترك الأمور للزمن ليحلها جرى تجريبه ولم يُجدِ.
من المؤكد أن النظام الجديد سيختلف باختلاف البلدان وتاريخها وثقافتها، وتجاربها الحياتية، ومقدار الأضرار التى جاء بها النظام النيوليبرالى الرأسمالى فى تطبيقاته المجنونة التى لا يهمها إلا الحاضر، ولو على حساب المستقبل، وإلا مقدار الربح، ولو على حساب العدالة والإنصاف، وإلا مطالب مالك الرأسمال، ولو على حساب العامل المجتهد المنهك.
بالنسبة لنا، نحن العرب، مررنا منذ الاستقلال وقيام نظام الدولة الوطنية القطرية بأنظمة الإقطاع، والرأسمالية الليبرالية الكلاسيكية، ومحاولات ممارسة أشكال من الأنظمة الاشتراكية، وانتهينا، بالقبول الأعمى والمفروض علينا، بالنظام الرأسمالى النيوليبرالى الذى نعيشه حاليا.
إذا كنا صادقين حقا فى تفعيل شعار العدالة الاجتماعية، الذى طرحته جموع الملايين من الشعب العربى خلال العشر سنوات الماضية، ليكون متواجدا فى الواقع العربى، فإننا بحاجة لأن نعترف بضرورة دراسة التجارب الاشتراكية العربية السابقة بعلمية وموضوعية لنرى نوع التطوير المطلوب فى الفكر السياسى الاقتصادى العربى القادر على احتضان العدالة الاجتماعية.
فمثلا لم يوضع شرط توفر الديمقراطية التمثيلية فى الحكم الاشتراكى العربى، وذلك من منطلق أن تقود وتهيمن الطبقة العاملة، صاحبة المصلحة، على الحياة السياسية. فهل أن مفهوم الطبقية الماركسى، بصفاتها وعلاقاتها القديمة، لا يزال ينطبق على ساحات الإنتاج فى عصرنا الحالى، خصوصا بعد عولمة وتفتيت عمليات الإنتاج والمبالغة الشديدة فى تخصصات عمليات الإنتاج، وبعد الإضعاف الشديد للمؤسسات النقابية وسلبها استقلاليتها والإمعان فى تجزأتها والنجاح فى جعل بعضها تابعة لجهات السلطة المالية أو سلطة الحكم؟
أو مثلا حل ما يطرحه الفكر الماركسى من ضرورة وجود نظام رأسمالى إنتاجى قادر على إيجاد فائض مالى، وذلك من أجل استعمال ذلك الفائض لتمويل وإدارة متطلبات الانتقال إلى النظام الاشتراكى.
فى الأرض العربية ذلك يمثل مشكلة، إذ إن الاقتصاد العربى هو اقتصاد ريعى غير إنتاجى، وهو يصرف أكثر مما ينتج من فوائض مالية. ألا يتعارض ذلك مع التوجه نحو أى نظام اشتراكى ملتزم بكل متطلبات العدالة الاجتماعية الكثيرة التى فصلناها فى مقال الأسبوع الماضى؟ وفى هذه الحالة أليس قيام نوع من الوحدة العربية هو الجواب على هذا السؤال؟
أو من مثل الموقف العربى مما يطرحه الغرب الرأسمالى حاليا على نفسه بشأن دمج العديد من الجوانب الماركسية فى النظام الرأسمالى الحالى وذلك من أجل التقليل من توحشه وأزماته؟ هل يمكن الاستفادة من ذلك الطرح الغربى فى حل الموضوع الاشتراكى العربى؟
الأسئلة كثيرة ومعقدة، لكن ما لا يمكن قبوله هو استمرار الحالة السياسية ــ الاقتصادية العربية الحاضرة، إذ ستقود إلى مزيد من الأزمات والكوارث مستقبلا.
مفكر عربى من البحرين