المترو صديقى وسؤال النقل العام
نبيل الهادي
آخر تحديث:
الثلاثاء 30 يوليه 2019 - 10:50 م
بتوقيت القاهرة
تعرفت على مترو القاهرة منذ أكثر من خمسة وأربعين عاما وبدأ يصبح صديقا دائما لى منذ نحو أربعين عاما. رأيت أنواعا عديدة من مركبات المترو منها الهولندى والفرنسى والكورى واليابانى وأعتقد أننى لم أرَ بعد المصرى (أعرف أن شركة سيماف تقوم بتجميع عربات المترو ولكنها على الأكثر تصنع أجزاء ليست حاسمة فيها). الأكثر إثارة لى فيما أتذكره المحطات التى أنشئت من عدم مثل محطة حدائق المعادى والتى لا زلت أتذكر حقول القرنفل بألوانه البديعة وقت الإزهار والتى كانت قريبة من المترو. كما أنشئت محطات مثل الزهراء وجامعة حلوان أخيرا. كما تحركت بعض المحطات الأخرى من أماكنها مثل محطة دار السلام ومحطة السيدة زينب. كما اختفت محطات أخرى للأبد مثل محطة باب اللوق.
لم أشعر أننى سيئ الحظ لأننى اضطررت لركوب المترو بصورة يومية للالتحاق بدراستى الإعدادية ثم الثانوية ثم الجامعة. ربما يرى البعض فى المترو الزحام المؤلم والأصوات العالية للناس فى الحديث وأحيانا تبادل الألفاظ غير السعيدة ولكن بالنسبة لى كانت رحلة يومية أرى فيها الكثير وأتعلم فيها أيضا الكثير. وربما أيضا لأننى على الأقل حاليا أذهب إلى عملى فى الصباح الباكر جدا وأعود متأخرا قليلا عن ساعة الذروة كما أنى أركب المترو لنحو عشرين دقيقة فى كل مرة وعندما أكون مسافرا عبر محطة رمسيس أركبه لأكثر قليلا من ثلاثين دقيقة.
كانت وصلة مترو الأنفاق وامتداده حتى رمسيس أولا حدثا مهولا بالنسبة لى وأدركت عندما سافرت لندن بعدها بسنوات قليلة كم نحن متقدمون (من ناحية تصميم ونظافة المحطات) مقارنة ببعض المحطات فى لندن فى أوائل التسعينيات (أعرف أن لندن كانت قد بدأت برنامجا لتطوير محطات مترو الأنفاق لديها والذى يسمونه الأنبوبة. ولكن أكثر ما أسعدنى كان التحول الذى رأيته فى سلوكيات الراكبات والركاب وخاصة من ناحية الامتناع عن التدخين داخل العربات وهو ما كان يثير الكثير من الضيق بالنسبة لى سابقا وخاصة فى بداية تطبيق منع التدخين حيث كان الركاب والراكبات يتصدون لكل من يحاول أن يشعل سيجارة ويجبرونه على التخلى عنها. أدرك أن العديد من السلوكيات السلبية والتى تثير الحزن والتى يعانى منها النساء بصورة خاصة لا زالت موجودة ولكن عربات السيدات فى المترو على قلتها (أعتقد أنه يجب زيادتها لعربة أخرى) توفر ملجأ آمنا ولو مؤقتا.
استضفت منذ سنوات قليلة خبير دراجات كنديا يعمل فى الدانمارك وبعد أن عرض عليه الطالبات والطلبة مقترحاتهم لمخطط للدراجات داخل الحرم الجامعى وناقشهم لعدة ساعات ذهبنا لحديقة الأزهر واقترحت استخدام المترو وعلى الفور أبدى زميلى الشاب قلقه من زحام المترو (وأشياء أخرى لم يسمها) وفى النهاية ذهبنا وللحظ السعيد كانت عربات المترو التى ركبنا فيها مكيفة وكانت غير مزدحمة بالرغم من أننا ركبناها وقت منتصف اليوم. ما كان غير سعيد على الإطلاق «أننا ركبنا عربة نقل جماعية من تلك المسماة «تمناية» ولكنها كانت لمسافة قصيرة. كنت قد صممت على ركوب المترو لأننا كنا نقوم بتدريس كيف أن وصل الدراجات بالمترو يمكن أن يسهم بفاعلية فى حل مشكلات التنقل فى القاهرة وكانت تلك التجربة إشارة طيبة.
فى محاضرة للورد نورمان فوستر فى الجامعة الأمريكية فى القاهرة فى إبريل الماضى كان يتعجب من أننا نقوم ببناء مشروعات كبيرة للغاية فى مجال الطرق بينما العالم يقوم الآن بدراسة كيفية تخفيض عدد السيارات الخاصة وبالتالى تحويل أجزاء وأحيانا مناطق كبرى من الطرق إلى حدائق عامة لراحة ورفاهية المواطنين وأيضا لمكافحة التغير المناخى.
هل يمكن أن نحلم بمترو يتحرك بكهرباء مولدة من الطاقة الشمسية أو أى طاقة متجددة أخرى ليكمل منظومته الجميلة. وأن يكون هناك طرق محمية للدراجات فى حدود كيلومترين (نحو عشر دقائق بالدراجة) وطرق مناسبة للمشاة وخاصة كبار السن ليستفيد بالمترو معظم سكان القاهرة. وهل يمكن أن نحلم أيضا بنقل عام مجانى أو على الأقل منخفض التكلفة كما تخطط بعض المدن فعلا لعمله بعد حسابات للعائد والتكلفة يتضمن الخسائر البيئية وخسارة صحتنا من التلوث ويتضمن العوائد من تحسن جودة الهواء وتقليل الفاقد من الزمن المهدور وتكلفة العلاج؟