صباح الصحة والسعادة ومن الإعلام.. ما قتل
ليلى إبراهيم شلبي
آخر تحديث:
الجمعة 30 يوليه 2021 - 10:15 م
بتوقيت القاهرة
لا أخفى تعاطفا جارفا انتابنى وأنا أتابع ذلك المقطع المصور الذى انتشر على وسائل التواصل الاجتماعى للسيدة التى قطعت أوصال زوجها وعبأتها فى أكياس وألقت بها فى ساحة مهجورة أو «خرابة» وفقا لتعبيرها، تعاطفا لا يخلو من مرارة وألم يماثل ذلك الأثر الذى يحدثه فرع من الشوك انغرس فى اللحم الحى أحاول انتزاعه.
كانت لها ملامح مصرية خالصة تراها فى كل من هن حولك فى الأحوال العادية. كانت تتحدث فى صدق وإخلاص يؤلم قد يدفعك لكراهيتها إذا ما غفلت للحظة عن ذلك المنطق الذى يؤكد لك أنها ضحية مرض عقلى خطير قد أمسك تلابيب عقلها وتلبسها فى إحكام حتى أنها غدت صورة قاتمة مشوهة للنفس السوية التى صاغها الله بالحق.
«قتلته لأخلصه منى فقد كان يردد دائما أننى سبب متاعبه»، وحينما سألها المذيع الذى بدا مزهوا بانتزاعه تلك الاعترافات التى كلما زادت غرابتها وتضاعف التناقض فيها انتفخت أوداجه أكثر: لماذا لم تفكرى إذن فى قتل نفسك حتى يرتاح هو بصورة أفضل؟ جاء ردها دونما تردد أو إعادة تفكير: «حاولت كثيرا ولم أنجح فى قتل نفسى».
توالت اعترافاتها التى تعكس بلا شك خللا عقليا واضحا لا يقبل تأويل «ألقيته فى الخرابة» لأن بها طوب كالمقابر ولم ألقه بين النفايات لأنه إنسان لا يستحق هذا المصير الردىء.
حرص المذيع على أن ينتزع منها كل ما تصور أنه انتصار إعلامى يثبت تفوقه فى الحوار وقدراته الذهنية العالية فى الإيقاع بها لتستمر فى اعترافاتها المذهلة.
كان من الواضح أن هذا المقطع الذى تناقلته وسائل التواصل الاجتماعى كان جزءا من برنامج أذيع على إحدى قنوات التليفزيون وهذا ما أحب أن أتوقف عنده الآن: ترى هل هناك إدارة لها السلطة على سلوكيات المهنة وآدابها تجيز أو لا تجيز إذاعة بعض القضايا وتقر عرضها بتلك الصورة التى لا شك لها تبعاتها وأثرها على نفوس الناس وصحة المجتمع النفسية؟!
كم كان مؤلما أن تعامل تلك المريضة التى تعانى خللا جسيما فى العقل بتلك الطريقة التى تجعلها هدفا سهلا للرجم من كل من تطال يده حجرا.
تعددت حوادث القتل فى الأشهر القليلة الماضية فبدا الأمر للإعلام سلسلة من ألوان السبق الصحفى وتوالت التغطيات لتصف ملابسات الحوادث وربما بعضا من أسبابها المعلنة دونما محاولة الاجتهاد فى البحث وراء أسباب جوهرية للظاهرة أو تحليل علمى اجتماعى لحقيقة ما يحدث بدلا من استعراضه بصورة تحفل بألوان الإثارة.
أكتب اليوم لاستدعاء جهود المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية لتفسير تلك الظاهرة التى لا يخلو منها العالم ونحن منه جزء فى ظروف مصرية خالصة.
أنبه أيضا لضرورة الاهتمام بأمور الصحة النفسية فى مصر ودعم مستشفياتها والهيئات العاملة فى مجالها. بل وأدعو كل المهتمين بشئون العمل الخدمى العام أن يوجهوا بعضا من جهدهم بمستشفيات الصحية النفسية التى يعانى مرضاها من نقص احتياجات إنسانية كثيرة قد يبدو بعد توفيرها الأمر مختلفا إلى الأفضل.
أتوجه أيضا لأولى الأمر فى كل وسائل الإعلام أن ينتبهوا إلى معالجة مثل تلك القضايا بحكمة وعلم تضمن الحماية لإنسانية مرضى العقل وإن كانوا فاقدى الأهلية فعلينا على الأقل أن نحفظ عليهم آدميتهم ونحمى المجتمع من تبعات مشاهدات تؤذى المشاعر وتحض على الاكتئاب وتزيد من المخاوف وتدمغ الواقع العام بصبغة قاتمة وتضيف إلى الصورة أبعادا ليست أصيلة فى مجتمع مسالم عريق الحضارة عرف الدين والتزم بمواثيق الأخلاق قبل أن يتعلم العالم حروف الهجاء.