الوزراء عندنا لا ينتحرون!

سلامة أحمد سلامة
سلامة أحمد سلامة

آخر تحديث: الإثنين 30 أغسطس 2010 - 10:35 ص بتوقيت القاهرة

 كان طبيعيا أن تنفجر عاصفة من النقد والهجوم على فاروق حسنى بعد سرقة لوحة الخشخاش من قلب متحف محمود خليل.

وأن تنسب إليه بالحق أو بالباطل كل الاتهامات التى تجعله مسئولا عما يتعرض له التراث الفنى فى مصر من سرقة وضياع باعتباره الرئيس الأعلى لأجهزة الثقافة.

وحين تكشف التحقيقات عن أن وسائل الأمان وكاميرات المراقبة معطلة بما يثبت وجود خلل فى أجهزة الإدارة العليا، فلابد من أن تزداد السهام الموجهة إليه.. وسط طوفان من كبار الموظفين والمساعدين الذين يعينهم أو يستغنى عنهم.

وهم يمسكون فى ظاهر الأمر بجزء من المسئولية، ولكنهم يخضعون للسلطة الكاملة للوزير. وهى قمة التناقض فى الجهاز الوظيفى المصرى: أن تكون مسئولا وغير مسئول فى آن معا!.

وهذا بالضبط ما حدث فى سرقة اللوحة. فقد وجهت تهمة الاهمال الذى أفضى إلى السرقة إلى رئيس قطاع الفنون التشكيلية، الذى اتهم الوزير بأنه كان على علم بتعطل وسائل الأمان فى المتحف.

ولم توفر له الإمكانات المادية لإصلاحها رغم الالحاح. ولكن لا أحد يدرى على وجه اليقين أين تبدأ مسئوليته وأين تنتهى مسئولية الوزير.. حيث لا يوجد تحديد دقيق للمسئوليات فى هذا الجهاز البيروقراطى الضخم. كما أن أحدا لا يعرف حدود المسئولية السياسية والقانونية للوزير ولكل واحد من معاونيه.

والحقيقة هى أننا فى مصر لم نشهد حالة واحدة حتى الآن لوزير اعترف بمسئوليته أو قدم استقالته نتيجة خطأ جسيم ارتكبه أو ارتكبه أحد مساعديه.. فلماذا نضع على رأس فاروق حسنى كل المصائب والسرقات ومظاهر الفساد التى وقعت فى وزارته؟!

قبل شهور قليلة أزيح الستار عن أكبر فضيحة عرفتها وزارة الصحة فى تاريخها، حين اتضح أن عددا من نواب مجلس الشعب استغلوا اعتمادات العلاج على نفقة الدولة فى أغراض أبعد ما تكون عن علاج الفقراء ومحدودى الدخل من الميزانية المخصصة لذلك فى وزارة الصحة. وأثبتت تقارير الرقابة الإدارية وجود تلاعب أظهر أن كبار المسئولين فى وزارة الصحة متورطون فيه. واستدعى النائب العام وزير الصحة ليس للتحقيق ولكن «لشرب فنجان قهوة». وكأن مساءلة وزير عن انحراف وقع فى وزارته يعتبر عيبا يجب التكتم عليه.

فى حياتنا العامة لا يسأل الوزراء عما يفعلون أمام الرأى العام. وقد أثيرت أزمة كبرى حول بيع أراضى الدولة بثمن بخس. وشنت الصحف هجوما حادا على وزير الاسكان الحالى والذى سبقه. كما تكاثرت الاتهامات حول صفقات بيع أراضى الدولة للأقارب والمحاسيب.

وفى أكثر من حالة استدعى الوزير إلى مكتب النائب العام. ولم يصدر بيان ولم يهتم أحد باطلاع الرأى العام على الحقيقة.

وحتى هذه اللحظة مازالت قضية بيع الغاز لإسرائيل تثير كثيرا من اللغط. وأصدرت محكمة القضاء الادارى حكما فيها لم تأبه الحكومة بتنفيذه ولا بالتعليق عليه.

وحين وقعت أزمة انقطاع الكهرباء بسبب حرارة الصيف وعدم قدرة محطات الطاقة على احتمال الاستهلاك الزائد للكهرباء، كشف المسئولون فى وزارة الكهرباء أن نقص امدادات الغاز الذى يذهب لإسرائيل بأسعار خاصة هو السبب. ولم تؤثر البلاغات التى قدمت للنائب العام فى شىء!

فى مصر لا يقدم الوزراء إلى المحاكمة مهما تكن الأسباب. وإن كانوا فى حالات خاصة جدا يتركون مناصبهم فى هدوء. وهكذا سوف تظل الضجة المثارة حول سرقة لوحة زهرة الخشخاش، ويظل تبادل الاتهامات بين الوزير ومساعديه حتى تهدأ الضجة أو يكتشف مصير اللوحة المسروقة، أو تسرق لوحة أخرى ثمينة تغطى ضجتها على ما سبقها.

ولكن الوزراء عندنا لا يحاسبون ولا يستقيلون ولا ينتحرون كما يحدث فى اليابان. فلكل بلد عاداته وتقاليده. ونحن نكره السرقة ولكننا لا نحاسب عليها. والمفروض أن الدولة هى المسئولة ولكنها فى بلادنا ليست مسئولة!!


هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved