ريموت كنترول
غادة عبد العال
آخر تحديث:
الإثنين 30 أغسطس 2010 - 9:49 ص
بتوقيت القاهرة
فى صباح أيام الشهر الفضيل تقابلهم فى طريقك.. أثناء ركوبك للأتوبيس.. أثناء سيرك فى الشارع.. يتناقشون فى عربات المترو والمكاتب الحكومية بحماس شديد وعيون حمراء من أثر السهر أمام شاشة التليفزيون،
هم المتابعون للدراما الرمضانية التى أصبحت فى السنوات الأخيرة مظهرا من مظاهر شهر رمضان فى مصر، كل عام تتزايد أعدادها وتتزايد تكلفتها ويزداد اللغط حولها، واللى بيتابعوا بحماس واهتمام وشغف فى الغالب هم نفسهم اللى كل يوم بتسمعهم بيشتكوا.. ليه كل المسلسلات دى وبكام؟ كل الفلوس اللى بتتصرف دى مش البلد أولى بيها؟..
وبينما تلك الأسئلة أسئلة مشروعة ولها ما يبررها لأن المشاهد العادى ما بيفرقش معاه كتير إن دى صناعة يعمل فيها آلاف من البشر من أول عامل البوفيه وعامل الإضاءة وحتى النجم اللى بيقف أمام الشاشة ليتابعه الملايين ولا بيحط فى اعتباره إن المسلسلات دى لما بتتباع لقنوات عربية وخاصة بتجيب دخل وتنشط اقتصاد البلد ولو بنسبة طفيفة وإن دول زى أمريكا وزى الهند بيحترم الرأى العام فيها العمل فى مجال الميديا والسينما والدراما وبتعتبر الدولة كل المجالات دى صناعة ومصدر دخل ووسيلة من وسائل الغزو أو التبادل الثقافى بين الدولة دى ودول العالم المختلفة، لكن بعيدا عن كل تلك النقط بتحيرنى دايما نقطة تانية خالص بيثيرها الكثير من الناس وهى نقطة..
كل دى مسلسلات؟.. إنتوا كده بتشتتونا وبتلهونا عن الأهم فى حياتنا بالكم ده اللى أكبر من حاجتنا بكتير.. واللى باستغربله دايما إن اللى بيقولوا كده هم نفسهم المشاهدين المخلصين..
إحدى صديقاتى مثلا كل يوم الصبح تقابلنى وهى فاقدة الوعى تماما، الصبح ده بالنسبة لها وقت ضايع ما لوش علاقة ببقية اليوم.. اليوم عندها بيبدأ بعد الفطار بتناول كميات ضخمة من الحلويات والأنتخة أمام شاشة التليفزيون حتى الساعات الأولى من الصباح وتانى يوم الصبح تبتدى تدّينا التقرير: شوفتى يحيى الفخرانى عسل.. آدى الرجالة والا بلاش، والا غادة عبدالرازق لبست حتة طقم إمبارح أموت وأعرف بتجيب لبسها ده منين..
الحلقة بتاعت يسرا إمبارح شدت أعصابى قوى ده أنا ما عرفتش أنام.. والا هند صبرى وجعت قلبى إمبارح يا عينى ودى عايزة تتجوز ليه بلا خيبة تيجى تشوف اللى اتجوزوا خدوا إيه.. هى ليلى علوى خست كده إزاى؟.. هى أصلا قمر وبقت قمرين، والبنية الغلبانة اللى دبحوها ليلة فرحها دى نفسى يقبضوا على اللى دبحها بأه إلهى ينشك فى دراعه البعيد،..
تتابع صديقتى 8 مسلسلات بإعاداتهم بالإضافة لمتابعتها مع أطفالها لمسلسلين كارتون وبعد كل ده تيجى تانى يوم الصبح وهاتك يا دعاء على الخوتة الكدابة وكثرة المسلسلات اللى بتبعدها عن روحانيات الشهر الفضيل ولما باقولها طب ما انتى فى إيدك ريموت كنترول ما تختارى مسلسل أو اتنين تتابعيهم أو بلاش خالص إذا كنتى شايفة إن متابعتهم بتضرك وما بتفدكيش، تبصلى باستغراب جدا وتقوللى ما هم اللى بيعرضوهم وأنا يعنى هاعمل إيه؟.. وهكذا تعانى صديقتى ومعها الكثيرات والكثيرون من مشكلة عدم القدرة على الاختيار..
إحنا اتعودنا لسنين وسنين نجبر فى رمضان على مشاهدة مسلسل واحد على القناة الثانية ومسلسل واحد على القناة الأولى ونتفرج واحنا مبسوطين، ولما عدينا المرحلة دى وتعددت قدامنا الاختيارات وقف معظمنا أمامها وهو محتار لأننا ما اتعودناش على حرية الاختيار مش من ناحية المسلسلات وبس،
إنت اتعودت اللى يقولولك اتفرج عليه تتفرج عليه، وفى المدارس إنت متعود يحطولك المناهج ويقولولك إحفظ وانت تقعد تصم وخلاص، فى الجامعات كتاب الدكتور وورق الكورسات ولا بحث فى مراجع ولا متابعة لأبحاث، فى الانتخابات بيختار الناخب بطريقة اللى نعرفه أحسن من اللى ما نعرفوش ولو تعددت قدامه الاختيارات فى الغالب برضه هيختار نفس الاختيار اللى ما يعرفش غيره من سنين،
وعشان كده الحل مش إننا نلغى الاختيارات الكتيرة اللى قدامنا، الحل إننا نتعلم نختار منها اللى يناسبنا، الحل مش فى إننا نشجع سياسة الوصاية الأفضل إننا نشجع ثقافة الاختيار، اختار اللى يعجبك وابعد عن اللى يضرك وفى النهاية لو أنت وغيرك مسكتوا الريموت وغيرتوا..
القناة أو المنهج أو الطريق أو النظام.. الكل هيبطل يعاملك كأنك تقدر تستقبل أى شىء بدون ما يبقالك فيه رأى ووجهة نظر وأكيد هيقدمولك اختيارات أفضل وأنسب وكل ما عليك ساعتها هو إنك تفضل متمسك بحقك فى الاختيار.