قراءة سياسية فى قانون مكافحة الإرهاب
إبراهيم عوض
آخر تحديث:
الأحد 30 أغسطس 2015 - 6:10 ص
بتوقيت القاهرة
أثار قانون مكافحة الإرهاب ردود فعل هائلة، متعددة الوجوه، لدى الجماعات القضائية والحقوقية والصحفية والسياسية، قبل صدوره وبعده. ردود الفعل كلها اتفقت على ضرورة محاربة الإرهاب ودحره، فهى صدرت عن جماعات حريصة على سلامة المجتمع والدولة فى مصر. قبل صدوره، علقت الجماعتان القضائية والصحفية، على بعض مواد مشروع القانون، ويجوز اعتبار أن من صاغوا القانون قد تجاوبوا مع ردود فعل الجماعتين؛ حيث عدلوا فى نصوص مواد تناولتها الجماعتان بالتعليق وإن لم يكن فيها كلها أو فى روحها. فردود الفعل الصادرة على المشروع ثم على القانون يمكن تصنيفها على أنها اندرجت فى أبواب النظرية القانونية، والحقوق والحريات، وحرية النشر تحديدا، والفصل بين السلطات.
فى باب النظرية القانونية، يشار إلى المثار عن مساواة القانون فى العقوبة بين مرتكب الجريمة من جانب والمحرِض أو المشجع عليها من جانب آخر. من ضمن الانتقادات العديدة الموجهة للقانون فى باب الحقوق والحريات أنه يعتدى فعليا على كل من حرية تكوين الجمعيات وتداول المعلومات وعلى كل من الحق فى التجمع السلمى وفى الإضراب فضلا عن حق المتهمين فى محاكمة عادلة. فى باب حرية النشر تحديدا كان النقد الأساسى لفرض عقوبة الحرمان من الحرية، أو الحبس، لما اعتبره القانون جريمة من جرائم من النشر، وهو ما جرى تعديله فى القانون الصادر فعلا بقرار عن رئيس الجمهورية. فى باب الفصل بين السلطات، كان النقد موجها إلى نفس فكرة صدور قانون بأهمية قانون الإرهاب بقرار من رئيس الجمهورية والدعوة إلى انتظار انعقاد مجلس النواب، لكى يمر عبر العملية التشريعية المنصوص عليها فى كل الأنظمة الدستورية.
الانتقادات تناولت أيضا نصوصا على جانب عظيم من الأهمية فى القانون خصوصا تلك التى تحدد الدولة وحدها كمصدر للحقيقة، أو التى تعفى قوى الأمن من أى محاسبة عن ممارستها للقوة فى الحق المشتبه فيهم، أو التى تمنح رئيس الجمهورية ضمنيا الحق فى إعلان حالة الطوارئ، محللة إياه فعليا بذلك من القيود المفروضة فى الدستور على الإعلان الصريح لهذه الحالة.
***
التعليقات المفصلة على القانون التى تناولته من مناظير الأبواب المذكورة أعلاه، خاصة فى باب الحقوق والحريات، موجودة ولابد أن الجانب الأكبر من المعنيين بالحالة السياسية فى البلاد قد اطلعوا عليها. لا يرمى هذا المقال إلى أن يضيف شيئا جديدا إلى تلك التعليقات ولا هو يبغى التساؤل عن كيفية تطبيقه خارج الإقليم المصرى لو وقع الضرر على مواطن مصرى، ولا عن ماهية الوسائل الخاصة بالإرهاب، فالوسائل نفسها التى يستخدمها الإرهابيون يُلجأ إليها فى تحقيق أغراض مشروعة تماما. فهذا المقال معنى بالآثار السياسية لقانون مكافحة الإرهاب فى مجموعه، وهو لا يتناول إلا نصوصا محدودة جدا من القانون للاستدلال على آثاره السياسية.
يحمد للجماعة الصحفية انتفاضها لحذف النص على الحبس كعقوبة على نشر معلومات، غير تلك التى تقرر الدولة أنها الحقيقة. لكن الغرامة التى استبدلت بالحبس تعجيزية، ثم إن النص لم يعدَل فيما يخص الحقيقة المطلقة التى ينتظر القانون من وسائط النشر الانصياع لها. لكن الأمر لا يخص الجماعة الصحفية وحدها؛ إنه يتعلق بحق المواطنين فى الحصول على المعلومات الصحيحة وهو الحق الأصلى، وليس الحق فى حرية النشر إلا حقا وسيطا يرمى إلى تحقيقه. نتيجة هذا النص هى أن المواطنين لن يكوِنوا آراء يعتد بها يستطيعون أن يستندوا إليها للمشاركة فى النقاش العام فى المجتمع. لكن قراءة متأنية لهذا النص تكشف أيضا على أن المقصود به ليس الجماعة الصحفية وحدها بل كل من ينشر أو يذيع أو يعرض غير الحقيقة التى تقررها الدولة. هذا النص يوصد تماما المجال أمام النقاش العام بل والخاص أيضا.
كما أن التعريفات المطاطة توسع من نطاق ما يمكن اعتباره أعمالا إرهابية، فالإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعى مثلا يمكن أن يندرج تحته أى تجمع أو تجمهر، للمطالبة بحقوق مشروعة، أو أى خبر أو مقال عنهما. نفس الشىء نفسه ينطبق على الإضرار بالأمن القومى وبالأموال العامة والخاصة وعلى احتلال الأملاك العامة والخاصة أيضا. نتيجة مثل هذه التعريفات، خاصة إذا ما نظر إليها فى تفاعلها مع نصوص أخرى فى القانون، هى ردع المهتمين بشئون الوطن والمتابعين له عن المشاركة فى النقاش العام هى الأخرى.
فإذا جمعنا النصوص التى تحول دون قيام المهتمين خاصة، والمواطنين عامة، بالمشاركة فى النقاش العام، فإننا سنجد أنفسنا أمام قانون يعفى الدولة من أى مراقبة على أدائها فى مكافحة الإرهاب نفسه بل وفى أى وجه من أوجه نشاطها. فهل هذا من مصلحة الدولة؟ فى تاريخنا المعاصر، الاتفاق العام منعقد على أن الدولة أذاعت على المواطنين أخبارا منافية تماما للحقيقة وهو ما كانت آثاره وخيمة على نفس الدولة وعلى المجتمع.
***
كما أن فى المتابعة والمراقبة تنبيه للدولة إلى أوجه الضعف فى أدائها والثغرات فيه حتى تقوِم الأولى وتسد الثانية؛ فسياسة الوطن لا تقوم بها الدولة وحدها بل إن الأصل هو أن يشارك فيها المواطنون، مصدر تفويضها بأن تحفظ مصالحهم وتنميها. ويلاحظ أن القيود التى يفرضها القانون لا تنطبق إلا على المعنيين والمواطنين الحريصين على السلم الأهلى وسلامة المجتمع والدولة، أما الإرهابيون فلا يعتبرون أنفسهم مخاطبين به. أبلغ بيان على ذلك ردهم الدموى على القانون؛ إنه لم يردعهم عن تفجير مقر الأمن فى شبرا الخيمة بالقاهرة، بعد أيام معدودة من صدوره. وهو بالطبع وللأسف، لم يحل دون الاستمرار فى الاعتداء المتواصل على حياة ممثلى الدولة من رجال الأمن. سيكون من المفيد جدا القيام بمتابعة إحصائية للأعمال الإرهابية المرتكبة قبل صدور القانون وبعده وذلك لقياس فعاليته.
ثم هل هذا القانون قابل للتطبيق بحذافيره وعلى كل الناس وفى كل وقت؟ انظر إلى تجمهر المجموعات المعارضة لقانون الخدمة المدنية التى لم تعر التفاتا لهذا القانون كما ضربت عرض الحائط بقانون التظاهر نفسه. وتأمل فى اعتصام أمناء الشرطة فى المحلة الكبرى ومقاومتهم لسبل إخلائهم. فى الحالتين لم تقوَ الدولة على تطبيق قانون الإرهاب، حتى الآن على الأقل، وهى حسنا فعلت. ولكن هل من مصلحة أى دولة أن يصدر عنها قانون لا يحترم؟ عدم احترام القانون فيه تعريض بسلطة الدولة ذاتها وتقويض لأسسها. واحترام القانون رهين باستجابته لاحتياجات المجتمع وهى نفسها، هذه الاحتياجات، التى تحدد للدولة قدرتها على إنفاذ القانون.
سواء تعلق الأمر بحظر أى مراقبة لأداء الدولة فى مكافحة الإرهاب أو غيره، أو باحترام فكرة القانون فى المجتمع، فإن المصلحة هى فى عدم الإبقاء على نصوصه كما هى الآن.
سيكون من حسن السياسة، أن تترك السلطة التنفيذية لمجلس النواب أن يعيد النظر فى القانون برمته، عندما يقدر له أن ينعقد.
وسيكون على كل الجماعات المعنية وعلى جميع المهتمين الاستمرار فى الكشف عن عيوب القانون، من أجل النجاح الفعلى فى مكافحة الإرهاب وبغية تدعيم تماسك المجتمع والدولة.