الانتهاكات الإسرائيلية لقطاع غزة من منظور القانون الدولي الإنساني

قضايا يهودية
قضايا يهودية

آخر تحديث: الجمعة 30 أغسطس 2024 - 7:48 م بتوقيت القاهرة

شهد المجتمع الدولى فى الفترة الحلية حروبًا ضارية إلا أننا نجد أن أشدها قسوة وانتهاكًا للقانون الدولى الإنسانى هو الاجتياح الإسرائيلى لقطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، فقد استخدم فى هذا النزاع خلاصة ما جاء به عبقرية الإنسان من وسائل الهدم والإيذاء والدمار.

ومن هنا كان لا بد من تدخل القانون الدولى الإنسانى لتوفير الحماية الضرورية لضحايا تلك الحرب والنزاعات المسلحة من القتلى والجرحى والمرضى والأسرى والمدنيين والأعيان المدنية، فالقانون الدولى الإنسانى يجمع بين فكرتين مختلفتين فى طبيعتهما؛ إحداهما قانونية والثانية أخلاقية.

وقد أوجد القانون الدولى الإنسانى حماية خاصة للمدنيين فى أثناء النزاع المسلح للأطراف المعنية إنشاء مناطق آمنة لحماية الجرحى والمرضى والأطفال والحوامل، كذلك يمكن إنشاء مناطق محايدة لحماية الجرحى والمرضى من المقاتلين والمدنيين الذين لا يشتركون فى العمليات العسكرية، كذلك لا يجوز مهاجمة المناطق منزوعة السلاح.

كذلك حظر القانون الدولى الإنسانى تجويع المدنيين كسلاح فى الحرب؛ حيث يُشكل الحصار المحكم ومنع كل سبل الحياة عن قطاع غزة من مياه ومواد غذائية ووقود وأدوية ــ جريمة حرب وجرائم ضد إنسانية، إذ إن القانون الدولى الإنسانى يحظر أى شكل من أشكال العقوبات الجماعية ضد السكان، وذلك استنادًا لاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 التى تؤكد وجوب حماية المدنيين، كما أن تجويع شعب بأكمله ومنع الغذاء والدواء عنه ومنع الوقود عن المستشفيات، يشكل جريمة إبادة جماعية، وهى بذلك تنتهك على نحو واضح اتفاقية جنيف الرابعة، التى تتضمن أن على دولة الاحتلال أن تعمل بأقصى ما تسمح به وسائلها على تزويد السكان بالمؤن الغذائية والإمدادات الطبية.

وهو ما اخترقته قوات الاحتلال ومنعت دخول المساعدات الإنسانية وضرب معبر رفح من الجانب الفلسطينى، ومنع وتقييد دخول المساعدات الإنسانية من الجانب المصرى أكثر من مرة.

• • •

ووفقًا لآخر تقرير لوكالة الأونروا رقم (129) حول الوضع فى قطاع غزة والضفة الغربية، التى تشمل القدس الشرقية، حتى 19 أغسطس قتل ما لا يقل عن 40٫319 فلسطينى فى قطاع غزة، وتفيد التقارير بأن 92,743 فلسطينى آخر قد أصيبوا بجروح وذلك منذ 7 أكتوبر 2023.

وقد دمر الاحتلال الإسرائيلى منذ أكتوبر 2023 وحتى أغسطس 2024 أكثر من 117 مدرسة وجامعة كليًا، و332 مدرسة وجامعة جزئيًا حسب مركز الإحصاء الفلسطينى، وتحولت المدارس إلى مراكز إيواء لآلاف النازحين مع اتساع رقعة العدوان الإسرائيلى فى قطاع غزة، مما تسبب باستشهاد وإصابة المئات.

ولجأ سكان قطاع غزة إلى الاحتماء بالمدارس التى اعتبروها محمية بموجب القانون الدولى الإنسانى، لكن الاحتلال الإسرائيلى قصفها كما قصف المستشفيات وباقى الأماكن المدنية، حتى المواقع التى أعلنها «مناطق آمنة» ودعا السكان إلى النزوح إليها تم قصفها.

وفى اليوم العالمى للعمل الإنسانى الموافق 19 أغسطس من كل عام، ناشدت 413 منظمة إنسانية حول العالم بما فيها الأونروا ووكالات الأمم المتحدة الأخرى واللجنة الدولية للصليب الأحمر والاتحاد الدولى لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر والمنظمات غير الحكومية جميع الدول وأطراف النزاع المسلح والمجتمع الدولى الأوسع نطاقًا إلى:

   •  إنهاء الهجمات على المدنيين واتخاذ خطوات فعالة لحمايتهم وحماية البنية التحتية المدنية الحيوية التى يعتمدون عليها.

   •  حماية جميع العاملين فى مجال الإغاثة، بما فى ذلك الجهات الفاعلة المحلية والوطنية، ومبانيهم وأصولهم وتسهيل عملهم، كما دعا إلى ذلك قرار مجلس الأمن الدولى رقم (2730) الذى يحث جميع أطراف النزاع المسلح على السماح وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل وآمن وسريع ودون عوائق إلى جميع المدنيين المحتاجين وهو ما تخترقه أيضًا دولة الاحتلال الإسرائيلى منتهكة بذلك أبسط قواعد القانون الدولى الإنسانى.

   •  محاسبة الجناة حيث لا يمكن أن يفلت مرتكبو انتهاكات القانون الدولى الإنسانى من العقاب.

• • •

تستند دولة الاحتلال دائمًا فى كل ما تفعله من جرائم بقطاع غزة إلى مبدأين مهمين:

الأول: مبدأ الدفاع الشرعى

تُرجع دولة الاحتلال ما تفعله من جرائم دولية بقطاع غزة إلى مبدأ الدفاع الشرعى حيث تضمن ميثاق الأمم المتحدة فى المادة (51) حق الدفاع الشرعى ولكى يكون الدفاع الشرعى سببًا من أسباب امتناع المسئولية الدولية يجب توفر عدة شروط، وهى:

– أن يكون الدفاع هو الوسيلة الوحيدة لصد اعتداء غير مشروع على النفس أو الغير وأن توجه إلى مصدر العدوان أو الخطر.

– أن يكون الاعتداء أو الخطر وشيك الوقوع أو وقع بالفعل.

– التناسب فى استخدام القوة بين الدفاع وجسامة الاعتداء أو العدوان.

وهو ما لا ينطبق مع العدوان الإسرائيلى فى قطاع غزة؛ حيث إن الدفاع الشرعى غير مقبول فى حالات الجرائم الدولية التى ترتكبها دولة الاحتلال فى قطاع غزة، حيث لا يتصور بانتفاء المسئولية فى حالة ارتكاب تلك الجرائم من قبل الأفراد مرتكبى الجريمة أو المساهمين فيها حيث إنهم يدركون ما يفعلون من جرائم دولية، والقول بغير ذلك هو إرساء لشريعة الغاب وامتهان كرامة وحقوق الإنسان التى كفلها له القانون.

الثانى: حالة الضرورة

دائمًا تخترق دولة الاحتلال الإسرائيلى كل القوانين الدولية والقانون الدولى الإنسانى تحت غطاء حالة الضرورة وهو ما سوف نفنده فيما يلى مع بيان أن حالة الضرورة لا تتفق مع ما تمارسه دولة الاحتلال الإسرائيلى من انتهاكات فادحة فى قطاع غزة.

ولإعمال حالة الضرورة لا بد من توفر عدة شروط مجتمعة سواء بالنسبة للخطر الحال أو بالنسبة لحالة الضرورة نفسها.

فلا بد أن يكون الخطر موجودًا وحالًا؛ أى أنه يهدد الشخص حقه فى الحياة أو يهدد سلامة جسده وحريته، وأن يكون الخطر جسيمًا فالخطر الجسيم هو الخطر الذى لا يمكن تداركه ولا يدرك الضرر الناشئ عنه.

وأخيرًا أن يكون الخطر الجسيم غير ناشئ عن فعل الفاعل نفسه فإذا كان الخطر صادرًا عنه فليس له أن يحتج بحالة الضرورة.

وعند تحقق شروط الخطر جاز للشخص أن يرد بفعل الضرورة الذى يستلزم شرطين:

   •  أن يوجه فعل الضرورة إلى إبعاد الخطر والتخلص من الخطر المحدق به.

   •  تناسب فعل الضرورة مع الخطر، أى أن تكون الجريمة التى ارتكبها الشخص مناسبة من حيث طبيعتها ومدى آثارها مع الخطر الذى واجهه.

وهو ما لا ينطبق أيضًا مع حالة قطاع غزة بل هذه المبررات تصلح على الحالة الفلسطينية فى حالة رد العدوان وليس على حالة دولة الاحتلال فما تفعله إسرائيل بقطاع غزة من جرائم دولية تنكر وتقضى على أهم حق من حقوق الإنسان وهو الحق فى البقاء.

كذلك لا تتناسب انتهاكات إسرائيل واجتياحها قطاع غزة مع الفعل نفسه فإسرائيل دولة احتلال فى الأصل أى كل ما تقوم به يعد مخالفًا لقواعد القانون الدولى فما هو الفعل الذى يتناسب مع تدمير قطاع بأكمله وتشريد سكانه وقتلهم.

وتعد دولة الاحتلال الإسرائيلى الحالة النموذج فى انتهاك جميع القوانين والمواثيق الدولية، فما يحدث فى غزة من انتهاك واضح لقرارات الشرعية الدولية فى ظل قواعد القانون الدولى بصفة عامة وقواعد القانون الدولى الإنسانى بصفة خاصة والقانون الدولى الجنائى وهو ما خرقتهم دولة الاحتلال الإسرائيلى جميعًا.

وختامًا فإن الواقع الفعلى على الساحة الدولية يحتم على كل الأطراف السعى لعدم تفاقم الأوضاع، فاعتياد الصراع لا يمنع تصاعده وانفجاره، فكلما زادت جهود الوسطاء لمحاولة التوصل إلى صيغة لوقف لإطلاق النار فى القطاع مع تعمد دولة الاحتلال الإسرائيلى استمرار ارتكاب تلك الجرائم واسعة النطاق، وتعمد إسقاط تلك الأعداد الهائلة من المدنيين العُزّل، هو دليل قاطع على غياب الإرادة السياسية لدى الجانب الإسرائيلى لإنهاء تلك الحرب، وإمعان فى استمرار المعاناة الإنسانية للفلسطينيين تحت وطأة كارثة إنسانية دولية يقف العالم عاجزًا عن وضع حد لها.

محمد حربى

المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية

النص الأصلي 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved