‫غياب نصر الله

طلعت إسماعيل
طلعت إسماعيل

آخر تحديث: الإثنين 30 سبتمبر 2024 - 6:25 م بتوقيت القاهرة

ستبقى حقيقة ما جرى فى الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت فجر الجمعة الماضية مثارا لطرح العديد من التساؤلات، ربما لسنوات مقبلة، قد تظهر إجابات تجلو غموضا، وأخرى تتوه فى الأزقة والحوارى الجانبية، غير أن الحقيقة المؤكدة هى غياب «السيد» حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله عن المشهد السياسى، بما له من تداعيات على الساحة اللبنانية أولا وعلى الساحة الإقليمية والصراع مع إسرائيل ثانيا.

 اغتالت إسرائيل نصرالله، الذى واجهها فى العديد من المعارك منذ عام 1992 لحظة توليه قيادة الحزب اللبنانى الذى يحلو  للإعلام الغربى وصمه ووصفه بـ«الحزب الموالى لإيران». بنى نصرالله مجده الشخصى وحاز احتراما شعبيا عقب فرار القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان عام 2000، بعد 18 عاما من الاحتلال، قبل أن يتكرر المشهد بانسحاب إسرائيلى ثانٍ من الجنوب اللبنانى إثر مواجهات استمرت 34 يوما مع قوات حزب الله فى حرب يوليو 2006. 

شكل نصر الله، حتى عشية اغتياله، رقما صعبا فى المعادلة السياسية فى الشرق الأوسط، وظل يحارب من أجل قناعاته فى مواجهة إسرائيل حتى يوم وفاته، قد تختلف مع مواقفه، أو تتفق، لكنك لا يمكن أن تنكر عليه خوضه المعارك ضد المحتل بقناعة عبر عنها بالقول والفعل، وكانت إطلالته المتوهجة فى غالبية خطبه انعكاسا لشخصية كاريزمية ذات تأثير واضح على من حولها. 

فرح القادة الإسرائيليون، وسادت السعادة أجواء المجتمع الإسرائيلى بغياب نصر الله، وهذا أمر طبيعى ومنطقى، فقد كان أمين حزب الله عدوا يحسب الإسرائيليون حسابه، وطالما أجبر مقاتلوه آلاف الإسرائيليين على الاحتماء بالملاجئ، أو الفرار بعيدا عن القرى والبلدات فى شمال فلسطين المحتلة، غير أن الغريب «شماتة» وفرحة بعض العرب فى موته، على الرغم من أن القاعدة تقول «عدو عدوى صديقى».

ارتكب حسن نصر الله فى مسيرته السياسية العديد من الأخطاء بلا شك، سواء على الساحة اللبنانية خصوصا، أو الإقليمية عموما، وأخذ البعض عليه انحيازه للنظام السورى، غير أن ذلك لا يجب أن ينسحب على دوره الكبير فى مواجهة العربدة الإسرائيلية، وقد دفع الرجل حياته وهو يحاول تخفيف الضغط على الفلسطينيين فى غزة، فى وقت تخلى عنهم العديد من البلدان والمنظمات، وتركتهم وجبة سائغة لآلة القتل وجرائم الإبادة الجماعية التى تركبها القوات الإسرائيلية.

يخطئ من يظن أنه بمنأى عن الغطرسة الإسرائيلية، فالمتوقع أن تتحول المنطقة فى السنوات المقبلة إلى ساحة مفتوحة لصراع أشد وأعنف، فقد وضعت تل أبيب أهدافا معلنة وأخرى خفية، ولديها جراب ملىء بالثعابين، وربما ترى أن الوقت قد حان لإخراج المزيد من حياته السامة، لإجبار العرب على الخروج النهائى من صراع ممتد منذ عشرات السنوات.

«إننا أمام معركة كبرى»، قالها حسن نصر الله فى إحدى خطبه الأخيرة قبل الرحيل، ولن تتوقف تل أبيب عن فعل كل ما يضمن بقاءها على أرض تعلم أنها مغتصبة بقوة الحديد والنار بغطاء أمريكى، وشراكة أبدية مع واشنطن التى تسارع دائما لنصرة حليفتها بالمال والسلاح والدعم السياسى فى المحافل الدولية على حساب الجانب العربى، وإن أظهرت فى بعض الفترات من طرف اللسان حلاوة عن علاقات «استراتيجية»!

سيدفع العرب، ثمن الاختراق الإسرائيلى الواسع للمنطقة، وسيندمون أياما على تراخيهم فى الاستعداد لردع قوة غشوم، على رأسها حفنة من العنصريين واليمينيين المتطرفين والقتلة من الإسرائيليين الذين يتزعمهم بنيامين نتنياهو ومن على شاكلته.

خسر محور المقاومة فى ملف الصراع العربى الصهيونى شريكا مهما بغياب نصر الله، لكن من قال إن  الصراع طويت صفحته؟!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved