المواقف الأمريكية.. والكوميديا السوداء!

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الإثنين 30 سبتمبر 2024 - 6:20 م بتوقيت القاهرة

 أحد أنواع الكوميديا السوداء أن نتابع البيانات الأمريكية بشأن العدوان الإسرائيلى منذ بدايته على قطاع غزة قبل عام وحتى اغتيال حسن نصرالله أمين عام حزب الله فى لبنان يوم الجمعة الماضى.

من يركز ويتابع القراءة الدقيقة لهذه البيانات سواء كانت رسمية أو على لسان مسئولين يسربون معلومات ومواقف محددة عبر وسائل الإعلام، سيحتاج إلى مجموعة من القواميس اللغوية والسياسية لفهم هذه البيانات والمواقف بصورة صحيحة.

طبعا أى متابع ومراقب أو حتى إنسان عادى، يمكنه بسهولة اكتشاف وإدراك أن أمريكا غارقة حتى أذنيها فى دعم العدوان الإسرائيلى على غزة منذ ٧ أكتوبر الماضى وعلى لبنان هذه الأيام.

الأمور واضحة ومكشوفة، و«على عينك يا تاجر» كما يقولون، فلماذا هذا اللعب والعبث بالكلمات والعبارات ومحاولة اختراع لغة جديدة فى الدبلوماسية لم يسبق أن شهدنا لها مثيلا؟!

يوم الأربعاء الماضى قالت الخارجية الأمريكية على لسان مسئول كبير كما نشرت «العربية نت» إنها تعارض الغزو البرى الإسرائيلى للبنان لأن ذلك من وجهة نظرهم لن يسهم فى تقليل التوتر بالمنطقة. المسئول قال أيضا أن واشنطن تعمل جاهدة منذ أيام لإيجاد حل دبلوماسى لوقف تصاعد القتال بين إسرائيل وحزب الله ونركز على كسر حلقة الضرب والضرب المضاد بين الطرفين».

فى نفس اليوم قال مسئول فى وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» إن التصعيد بين الطرفين يثير احتمال خروج الأوضاع عن السيطرة وتحولها إلى حرب إقليمية.

من يقرأ الكلمات السابقة إذا كان غير متابع جيد للأوضاع فى المنطقة، فقد يتصور فعلا أن أمريكا تقف على الحياد فعلا فيما يحدث فى المنطقة، وأنها مهمومة فعلا يوقف التوتر والتصعيد.

البنتاجون تحدث على لسان سابرينا سينج نائبة المتحدث باسمه، التى قالت إن الولايات المتحدة ليست ضالعة فى التخطيط للعمليات الإسرائيلية أو دعمها فى لبنان.

لكن كل ما سبق يبدو أقرب إلى الكوميديا السوداء لأن الواقع العملى وتصريحات المسئولين الأمريكيين تكذب المسئولين الأمريكيين أيضا الذين قالوا إنهم على الحياد.

فالبنتاجون أيضا قال نصا: «ندعم حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها».

وبشأن مدى علمهم بنية إسرائيل مهاجمة لبنان، قال البنتاجون: لسنا ضالعين، ولسنا داعمين، وفقط تلقينا إشارات من إسرائيل بنيتهم شن عمليات ضد حزب الله، لكنهم لم يقدموا لنا تفاصيل محددة.

لكن من سوء حظ البنتاجون أن هيئة البث الإسرائيلية قالت فى نفس اليوم أى الأربعاء الماضى، إن تل أبيب أبلغت أمريكا بالهجوم الواسع على لبنان وتلقت منها الضوء الأخضر.

هذا هو الخبر الصحيح، ليس لأن هيئة البث الإسرائيلية أكثر صدقية أو مهنية، ولكن لأن ما تقوله يطابق الواقع تماما.

وما هو هذا الواقع نقلا عن المسئولين الأمريكيين أنفسهم؟!

تقول أمريكا على لسان وزارة خارجيتها أنها تعارض غزوا إسرائيليا للبنان، لكن وزارة الدفاع «البنتاجون» قالت بعد هذا التصريح بساعات قليلة: الغزو البرى أمر يعود إلى الإسرائيليين، رغم أننا لا نرى غزوا بريا وشيكا، «نواصل توفير المساعدات الأمنية إلى إسرائيل ومستعدون للدفاع عنها إذا تعرضت لضغط كبير أو لهجوم على غرار هجوم إيران فى شهر إبريل الماضى».

وقال البنتاجون أيضا: سوف نرسل قوات إضافية أمريكية للمنطقة لتعزيز القوات الموجودة.

يضيف هذا المسئول: العنصر الأساسى فى استراتيجيتنا هو الردع ولن نسمح لحزب الله بجرنا إلى حرب استنزاف.

الرئيس الأمريكى وكبار مساعديه يكررون ليل نهار أنهم يعملون على احتواء التصعيد فى لبنان، ومن الواضح أنهم يعملون على ذلك فعلا، ولكن على نفس طريقة عملهم فيما يتعلق بما فعلوه فى قطاع غزة، ولأنه يصعب تصنع الحياد طويلا، فقد قال بايدن تعليقا على اغتيال نصرالله: إجراء لتحقيق العدالة لضحايا أربعة عقود مما أسماه «حكم الإرهاب»، وهو نفس الموقف الذى كررته نائبته كامالا هاريس المرشحة للانتخابات الرئاسية المقبلة.

صار واضحا ومكشوفا أن بعض المتحدثين والسياسين والمسئولين الأمريكيين يحاولون تخدير العرب بكلمات طيبة وإيجابية وإنسانية، لكن كل ما يفعلونه على أرض الواقع هو دعم العدوان الإسرائيلى الكاسح ضد قطاع غزة، وضد لبنان وضد أى شخص أو تنظيم أو دولة يحاولون محاربة إسرائيل.

أمريكا تسخر كل إمكانياتها المالية والعسكرية والسياسية والدبلوماسية لدعم العدوان الإسرائيلى، والهدف أن تضمن أن تحقق إسرائيل كل أهدافها بأسرع وقت ممكن.

الغريب أنه رغم وضوح أمريكا فى انحيازها لإسرائيل، إلا أن بعض العرب لا يريد أن يصدق ذلك.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved