أساطير أمريكا الخمس
محمد المنشاوي
آخر تحديث:
الأحد 30 أكتوبر 2011 - 9:40 ص
بتوقيت القاهرة
أساطير خمس فندها البروفيسور ستيفن والت Steven Walt فى مقالة مهمة له نشرتها دورية فورين بوليسى Foreign Policy المرموقة مؤخرا.
وتنطلق هذه الأساطير بداية من الإيمان الخاطئ بأن هناك ما يمكن وصفه «استثناء أمريكيا» ينطلق أساسا من افتراض أن القيم والسياسة والتاريخ والممارسات الأمريكية فريدة وسامية، وعليه يجب أن تنال إعجاب العالم كله. وخطورة هذا الاعتقاد أنه يؤدى إلى إيمان غالبية السياسيين والمفكرين الأمريكيين أن واشنطن تلعب دورا متميزا خيرا فى كل قضايا العالم.
أولى هذه الأساطير يتعلق بوقوع مسئوليات استثنائية على عاتق الولايات المتحدة، ولذلك فهى تختلف عن القوى الأخرى وأن هذه الاختلافات تتطلب منهم أن يتحملوا أعباء خاصة. إلا أن هذا الادعاء ليس بجديد، فقد تبنته كل القوى العظمى على مر العصور، وتعتقد الدول الكبرى خطأ أنها تفيض بالخير على البشرية بفرض خياراتها على الآخرين. البريطانيون كانوا يعتقدون بأنهم يتحملون «عبء الرجل الأبيض» والمستعمرون الفرنسيون رفعوا شعار «المهمة الحضارية» لتبرير سياساتهم الإمبراطورية. وحتى كثيرا من قادة الاتحاد السوفييتى السابق اعتقدوا فى فترة ما أن إمبراطوريتهم تقود العالم حقا نحو «مثالية اشتراكية».
الأسطورة الثانية تدعى أن أمريكا أمة فاضلة بصورة استثنائية، أمة تحب السلام وترعى الحرية وتحترم حقوق الإنسان وتقدس حكم القانون. ويحلو للأمريكيين الاعتقاد بأن بلادهم تتصرف على نحو أفضل بكثير من الدول الأخرى، وبالضرورة أفضل من غيرها من القوى العظمى.
لو كان ذلك صحيحا، لما حاربت الولايات المتحدة مثلها فى ذلك مثل بقية إمبراطوريات التاريخ، وبالطبع لا ينتج عن الحروب سوى القتل والدمار. وبنظرة بسيطة على تاريخ العالم منذ تأسيس أمريكا يتبين كذب الادعاءات القائلة بالتفوق الأخلاقى للولايات المتحدة. لقد خاضت أمريكا حروبا عديدة، وكانت هى البادئة فى الكثير منها. خلال غزو الفلبين بين 1899 و1902، قتل ما يقرب من 300 ألف فلبينى معظمهم مدنيون. كما لم تتردد الولايات المتحدة وحلفاؤها فى استهداف الأهداف المدنية والسكان فى حربها ضد ألمانيا واليابان. ولنتذكر قول الجنرال كورتيز ليماى ــ قائد عملية قصف اليابان ــ لأحد مساعديه «لو لم تكسب الولايات المتحدة الحرب، لحوكمنا كمجرمى حرب».
وخلال حرب فيتنام ألقت الولايات المتحدة أكثر من ستة ملايين طن من القنابل، بما فى ذلك أطنان من قنابل النابالم والمواد الكيماوية المدمرة للأشجار والغابات.
ورغم إجادة الولايات المتحدة «لعبة حقوق الإنسان والقانون الدولى»، إلا أنها ترفض حتى اليوم الانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية، كما أن واشنطن كانت على الدوام مستعدة للتقرب من الأنظمة المستبدة رغم سجلها المخزى فى مجال حقوق الإنسان.
الأسطورة الثالثة ترى أن النجاح الأمريكى نابع من عبقرية استثنائية يتمتع بها المواطن الأمريكى. ورغم أن لأمريكا سجلا طويلا من النجاحات العظيمة، إلا أن ميل البعض لتصوير صعود نجمهم كقوة عظمى على المسرح الدولى، باعتباره ثمرة مباشرة للعبقرية السياسية للآباء المؤسسين، والفضائل الاستثنائية للدستور الأمريكى، وتقديس الحرية الفردية، وإبداع وجدية الشعب الأمريكى، يفقده الكثير من جوهره. أصحاب هذا المنطق يتجاهلون أن سكان أمريكا قدموا ويقدمون إليها بحثا عن فرص جيدة فى جميع المجالات.
أنعم الله على أمريكا بخيرات كثيرة وموارد طبيعية، وكان من حسن حظ أمريكا أنها تأسست فى مناطق نائية عن بقية القوى الأوروبية التى كانت فى حالة حرب طيلة المرحلة الأولى من تاريخ تأسيس أمريكا.
وترى الأسطورة الرابعة أن العالم مدين لأمريكا بما ينعم به من خير، فالرئيس السابق بيل كلينتون كان يعتقد أن الولايات المتحدة أمة «لا غنى عنها فى إقامة علاقات سياسية مستقرة حول العالم». أما الصحفى المعروف مايكل هيرش فذهب إلى أبعد من ذلك حينما قال فى كتابه «فى حرب مع أنفسنا» إن دور أمريكا فى العالم «أعظم هدية تلقاها العالم طيلة التاريخ البشرى». لذا لا غرابة فى أن يرى معظم الأمريكيين بلدهم قوة ذات تأثير إيجابى طاغ على المسرح الدولى. لكن فى الوقت نفسه يتجاهل الأمريكيون الآخرون كثيرا، ويتجاهلون أى دور للاتحاد السوفييتى فى القضاء على ألمانيا النازية، كما يتجاهل الأمريكيون أن انتشار القيم الليبرالية ظاهرة عالمية جذورها ترجع إلى عصر التنوير، وأن فلاسفة أوروبا وزعماءها السياسيين قدموا الكثير لدفع المثل الديمقراطية إلى الأمام.
كما وقفت واشنطن على الجانب الخطأ خلال سنوات الكفاح الطويل والمرير ضد نظام الفصل العنصرى فى جنوب أفريقيا، وساندت الكثير من الأنظمة الديكتاتورية المستبدة بما فى ذلك نظام صدام حسين، وذلك لاعتبارات إستراتيجية مصلحية قصيرة الأجل.
قد تشعر الولايات المتحدة بالفخر ــ وهى محقة فى ذلك ــ لدورها فى إنشاء دولة إسرائيل والدفاع عنها.. لكنها انتهجت سياسات ذات نظرة أحادية فأخرت قيام الدولة الفلسطينية وتسببت فى إطالة عمر الاحتلال الإسرائيلى البغيض. أما آخر الأساطير فهى تلك التى تقول «إن الله معنا»، وهو ما يعد أخطر هذه الأساطير لأنه يجعل الأمريكيين يعتقدون أن الله أودع فى عنق الولايات المتحدة مهمة ربانية لقيادة العالم.
ذات مرة خاطب الرئيس السابق رونالد ريجان الشعب الأمريكى قائلا إن هناك «مهمة ربانية ما أوكلت لأمريكا»، وردد الرئيس السابق جورج بوش مقولة مماثلة حينما قال «تلقينا نداء من السماء بأن ندافع عن الحرية». وبدلا من أن يفترض الأمريكيون أن الله يقف إلى جانبهم، كان عليهم ربما تأمل مقولة أحد أعظم الرؤساء الأمريكيين، آبراهام لينكولن، التى شدد فيها على أن «ما ينبغى أن يقلقنا هو ما إذا كنا فى جانب الله».
ويرى البروفيسور والت أن السياسة الخارجية الأمريكية ربما تكون أكثر فعالية لو تخلصت من الاعتقاد بالاستثناء الأمريكى، وستصبح سياسة واشنطن أكثر واقعية وأكثر قبولا على المستوى الدولى إذا ما أدرك ساستها أن خصوصية أمريكا ليست شيئا فريدا فى حد ذاته، مثله مثل وجود خصوصية أرجنتينية أو خصوصية هندية أو خصوصية مصرية.
أما نحن فى مصر، فعلينا أيضا أن ننسى أن لنا خصوصية من ذلك النوع الذى يبرر الكثير من ممارسات التخلف والرجعية. الإنسان أينما كان هو نفس الإنسان، يسعى لحياة أفضل له ولذريته. لا يجب أن نبرر غياب الديمقراطية، أو صعوبات إجراء انتخابات حرة حقيقية أو وحشية تعامل رجال الشرطة مع المواطن إلى طبيعة ثقافتنا وخصوصيتنا المصرية. لا توجد خصوصية تدعو لعدم احترام القانون أو حقوق الإنسان، ومحاسبة القائمين على أمر المواطن، وإن وجدت فهى مجرد ظرف تاريخى لا علاقة لها بطبع المصرى وخلقته، ولا يبقى أمامنا من مفر سوى القضاء على هذا الظرف وتغييره.