السياسة فى الجامعات
محمد المنشاوي
آخر تحديث:
الجمعة 30 أكتوبر 2015 - 12:40 م
بتوقيت القاهرة
فى الوقت الذى تحاول الأجهزة الأمنية السيطرة على الطلاب داخل الجامعات المصرية بحيث يبتعدون عن العمل السياسى، تستعد الجامعات الأمريكية عن بكرة أبيها لمواكبة الحملات الانتخابية بين الحزبين الكبيرين الجمهورى والديمقراطى داخل أكثر من أربعة آلاف جامعة أمريكية. وعلى العكس من الجامعات المصرية التى يحظر فيها أى تواجد حزبى أو سياسى، تتواجد السياسة والأحزاب بكثافة داخل أسوار الجامعات الأمريكية من خلال وجود جمعيات لشباب الحزبين الكبيرين، وغيرهم من الأحزاب الصغيرة، داخل أسوار كل الجامعات الأمريكية. وتشهد مرحلة الحملات الانتخابية التمهيدية الجارية حاليا داخل كل حزب انقسامات كبيرة بين شباب الجامعات وشباب الأحزاب ذاتها تفضيلا لمرشح عن آخر. ويتواجد الحزب الديمقراطى فى مختلف الجامعات الأمريكية عن طريق جمعية طلاب الديمقراطيين فى أمريكا College Democrats of America، فى حين يتواجد الحزب الجمهورى عن طريق «لجنة الطلاب الجمهوريين الوطنية College Republican National Committee. ويتواجد شباب الحزبين ويتنافسان على جذب المزيد من أصوات الطلاب لجانبهم. وتلعب الدوائر الحزبية بالجامعات دورا مهما فى تصعيد مئات الشباب كل عام للعمل فى مناصب تنفيذية داخل الأحزاب المختلفة كبداية مناسبة لإعدادهم للعمل السياسى وللمناصب القيادية.
•••
تأسست جمعية الطلاب الديمقراطيين فى امريكا 1932 لدعم الحملة الانتخابية للرئيس فرانكلين روزفلت وكانت حينها أكبر المنظمات الطلابية السياسية فى أمريكا. ومنذ ذلك الحين والجمعية مستمرة فى نهجها لدعم الحزب الديمقراطى والترويج لأفكاره، واستطاعت الجمعية التوسع ليصل عدد أفرعها لما يزيد عن خمسمائة فرع فى مختلف ولايات أمريكا. وتعتمد الجمعية على مصادر متعددة للتمويل منها جمع التبرعات من المؤسسات الصناعية والشركات التجارية، كما تعتمد على رسوم الاشتراك للأعضاء فى الجمعية الذين يزيد عددهم عن 60 ألف عضو، إضافة لتبرعات المؤيدين والمنتسبين للحزب الديمقراطى. وخلال الحملات الانتخابية الجارية نجح السيناتور بيرنى ساندرز الذى يصف نفسه بالاشتراكى الديمقراطى أحيانا، وبالديمقراطى المستقل أحيانا أخرى، وأنه ممثل اليسار الأمريكى فى حصد دعم أغلبية كبيرة من الشباب فى مواجهة المرشحة هيلارى كلينتون التى تحصد دعم المؤسسات الديمقراطية التقليدية. ويجذب ساندرز الشباب عن طريق رفضه امتلاك 1% من الأثرياء ثروات توازى ما لدى 90% من الأمريكيين الأقل ثراء، ووصف النظام الاقتصادى فى بلاده بأنه «غير أخلاقى» لأنه يعمل لصالح الأثرياء فقط. وكانت لدعوة ساندرز لتوفير التعليم الجامعى بالمجان فى الجامعات الحكومية أثر كبير فى جذب أصوات الشباب المتردد لحملته الانتخابية.
•••
وقبل وجود جمعية الطلاب الديمقراطيين تأسست فى جامعة ميتشجان عام 1892 لجنة الطلاب الجمهوريين الوطنية، قبل أن ينضم إليها طلاب جامعات من مختلف أنحاء أمريكا. وللجمعية أكثر من ألف فرع، واستطاعت اللجنة أن تجند عشرات الآلاف من الشباب للانضمام إليها. تقوم لجنة الطلاب الجمهوريين الوطنيين بدعم الحزب الجمهورى بكل قوة وتساهم فى نشر مبادئ الحزب وتشجيع الشباب على الإيمان بآرائه. وتصل ميزانية الجمعية إلى ما يزيد قليلا عن 2 مليون دولار، وتحصل على الكثير من التبرعات من الشركات والأفراد. وينقسم الشباب الجمهورى بين المرشحين المحافظين والأقل محافظة، ويجذب أسلوب دونالد ترامب وخروجه المتكرر عن النص السياسى والأعراف المتوارثة الكثير من الشباب الجمهورى الذى سأم روتينية الحياة السياسية التقليدية، فى حين يجذب المرشحون الاخرون أعدادا مختلفة طبقا لتوجهاتهم المحافظة للقضايا الاجتماعية المختلفة.
وتعمل كلتا المؤسستين الطلابيتين يدا بيد من أجل مصالح شبابهما العليا حتى وإن جمع بينهم تنافس شرس. إلا أن الإيمان بدور الشباب فى بناء المستقبل السياسى الأمريكى يجعل الجمعيتين على نفس الجانب حينما يتعلق النقاش بحقوق الطلاب وحريات التعبير وحرية ممارسة الأنشطة السياسية داخل الحرم الجامعى.
تعمل المنظمتان يدا بيد من أجل المصالح العليا لأمريكية مدركتين مدى أهمية دور الشباب فى بناء مستقبل سياسى فعال. ويسمح للجمعيتين أن تستضيف المرشحين السياسيين من كلا الحزبين ومن خارجها أيضا، ويسمح للطلاب كذلك بجمع التبرعات المالية للمرشحين وللأحزاب.
•••
تعانى مصر لأسباب مختلفة من فقر حزبى وعدم وجود أحزاب قوية تمارس الديمقراطية الداخلية أو السياسة بصفة عامة. وإذا كانت الأحزاب فى حد ذاتها ليست هدفا، والهدف هو المواطن، فعلينا الاستثمار فى تنشئة الأجيال الجديدة من الملايين من طلاب الجامعات عن طريق فتح المجال أمامهم، وتسهيل عملية ممارسة السياسة داخل الجامعات. تلعب مؤسسة الجامعة حول العالم دورا كبيرا فى حياة النخب السياسية حيث تعتبر مرحلة مهمة فى تكوين آرائهم ومواقفهم السياسية فى مختلف القضايا، كما كان ولا يزال للجامعات أيضا دور كبير فى تبلور الفهم المجتمعى للعديد من القضايا. ورغم حظر الجامعات المصرية استخدام أى نوع من أنواع الدعاية الانتخابية للمرشحين أو الأحزاب سواء كانت دعاية ورقية أو صوتية أو جدارية داخل حرم الجامعات، تدعى إدارات الجامعات إدراكها لأهمية الانتخابات البرلمانية أو لأهمية مشاركة الشباب فيها، ثم تنتقد هذه الادارات الطلاب بسبب عزوفهم عن المشاركة فى الاستحقاقات الانتخابية.
•••
لا يمكن لأى قوة أمنية أن تمنع طلاب الجامعات من ممارسة السياسة داخل أسوار الجامعات المصرية، فحظر العمل السياسى داخل الجامعات سيدفع فقط لتغيير صورة الممارسة وبدلا من اتباع العلنية والشفافية، سيتم اللجوء للسرية فى العمل السياسى. يجب بالطبع استهداف ومنع أعمال العنف، لكن ينبغى كذلك تشجيع العمل السياسى بصورة طبيعية مثل عقد مؤتمرات وندوات، والسماح بالنقاش الفكرى والجدل بين الفئات المتعارضة من الطلاب طبقا لأولوياتهم السياسية وتحيزاتهم الأيديولوجية. تشجيع العمل السياسى داخل الجامعة لا يكون على حساب العملية التعليمية، بل هما مساران لا يتعارضان لو خلصت نوايا القائمين على إدارة الجامعات فى مصر.
اقتباس
علينا الاستثمار فى تنشئة الأجيال الجديدة من الملايين من طلاب الجامعات عن طريق فتح المجال أمامهم، وتسهيل عملية ممارسة السياسة داخل الجامعات.