مصاصو الدماء فى أقسام الشرطة
محمد عصمت
آخر تحديث:
الإثنين 30 نوفمبر 2015 - 11:15 م
بتوقيت القاهرة
عندما ألقت الشرطة القبض على صلاح دياب رجل الأعمال الشهير ومؤسس جريدة «المصرى اليوم»، بطريقة فظة وفجة للتحقيق معه فى قضية فساد، حرص الرئيس عبدالفتاح السيسى على تقديم ما يمكن اعتباره «اعتذار من الدولة» عما حدث للرجل، الذى بدا وكأنه فقد جزءا من كرامته بتسريب صور له والكلابشات فى يديه، ولكن عندما فقد المواطنان طلعت شبيب وحسنى عفيفى حياتهما، بعد كرامتهما طبعا، فى قسمى شرطة الأقصر والإسماعيلية جراء حفلات تعذيب وإهانة تعرضا لها، لم يتدخل الرئيس – على الأقل حتى الآن ــ لتقصى الحقائق فى الانتهاكات الوحشية التى يتردد أنها تحدث داخل أقسام الشرطة!
صحيح أن المصريين قدروا موقف الرئيس وتصريحاته بشأن ما حدث لدياب، خاصة أن الشرطة لم تهتم بكبر سنه، وانقضت على منزله فجرا للقبض عليه وكأنه أحد زعماء المافيا العالميين، إلا أن كرامة صلاح دياب لن تكون أهم من حياة شبيب وعفيفى، والرئيس الذى تدخل فى قضية دياب مطالب، أخلاقيا وأدبيا وسياسيا، بأن يتدخل بصورة شخصية وعاجلة للتحقيق فيما يحدث للبسطاء فى أقسام الشرطة، الذين يفقد بعضهم حياته نتيجة نزق ضابط صغير، لا يفقه شيئا من مبادئ القانون المفترض انه يطبقه على الكبير قبل الصغير!
ومع أن اعتذار وزارة الداخلية عن مقتل – أو وفاة – مواطنين داخل أقسام للشرطة، أمر غير مسبوق، يستحق الوقوف عنده انتظارا لما بعده، لكن البيان الذى أصدرته الوزارة امس الأول، جاء ليصور هذه الوقائع الدموية وكأنها مجرد زوبعة فى فنجان، وإن ما حدث مجرد حالات فردية، رغم ان الجميع فى مصر يدرك، وأولهم الوزارة نفسها، أن نسبة كبيرة من ضباطنا غير مؤهلين للعمل فى مناخ يحترم القانون وحقوق الانسان وكرامته، وانهم غير مدربين للتعامل مع القضايا السياسية والجنائية بالمعايير المهنية العالمية، وحتى بيان الوزارة نفسه كان انشائيا بليدا فى معرض تفسيره لوقائع الموت البشعة فى أقسامنا، بل إنه أدان قيادات الوزارة نفسها التى تركت هذه الحالات الفردية للتعذيب والانتهاكات تنتشر فى أقسامنا من الإسكندرية حتى أسوان.
قد لا تكون أقسام الشرطة فى مختلف محافظات مصر أوكارا للقتل والتعذيب كما تصورها الدعايات الفجة لمعارضى السيسى من الإخوان أو من غيرهم، ولكنها بالقطع ليست فوق مستوى الشبهات من حيث احترام حقوق الانسان وتطبيق القانون بالشكل المطلوب ــ فحقيقة الأمر أن أقسامنا تقع ــ فى غالبيتها العظمى ــ فى منتصف المسافة بين هاتين النقطتين، ضباطها ليسوا مصاصى دماء يتلذذون بتعذيب ضحاياهم من المواطنين الابرياء، ولكنهم ايضا ليسوا بالكفاءة والمهنية والثقافة الواجبة لكى يؤدوا عملهم بدون اهدار القانون وبدون انتهاك حقوق الانسان.
ما بين النهاية السعيدة لقصة دياب مع الشرطة، والنهاية التراجيدية المسكونة بالدم لشبيب وعفيفى، تظهر الدولة الطبقية بأبشع صورها ومعانيها، تنحاز للأغنياء وتسحق الفقراء، وتهدر كل قواعد القانون والعدالة، وتنشب مخالبها فى رقاب الضعفاء ومن لا ظهر لهم، وهى أيضا نفس الدولة التى ثار ضدها المصريون فى ثورة يناير ثم فى ثورة يونيو، ليجدوها فجأة أمامهم بنفس قبحها ووحشيتها لتكيل بمكيالين وهى تصنف المصريين لفريقين، أحدهما سادة والآخرون عبيد!
إصلاح أقسام الشرطة أكبر من قدرات وزراة الداخلية، وأكثر عمقا من قرار بإحالة هذا الضابط أو ذاك للتحقيق أو حتى للنيابة، أو حتى بالحكم عليه بالسجن، القضية تتعلق بتوفير مناخ عام من الحريات واحترام الدستور الذى يشدد على المساواة فى الحقوق والواجبات بين كل المصريين، وبتبنى الدولة بكل أجهزتها تضع ثقافة مغايرة تضع كرامة المواطن وتوفير حقوقه السياسية والاقتصادية على رأس أولوياتها، لا ان تعتبرها مجرد شعارات جوفاء تطلقها فى الهواء!