القارئ المَرْكَز
معتز بالله عبد الفتاح
آخر تحديث:
الخميس 30 ديسمبر 2010 - 9:52 ص
بتوقيت القاهرة
أشار العزيز بلال فضل فى عموده يوم الثلاثاء لمعضلة نعيشها فى حياتنا الفكرية والثقافية بما يؤكد أن نظامنا التعليمى لا يقوم بوظيفته حتى عند الكثيرين من نبهائه، وبالتالى الخطأ ليس خطأهم. المعضلة اسمها «المأزق المفتعل» (false dilemma) وهى تقوم على افتراض أن أى سؤال له إجابة واحدة صحيحة وإجابة واحدة خطأ. وبما أن الكثير من الأمور الفكرية والثقافية والدينية تتأبى على هذا الافتراض، فإن الإنسان صاحب هذا المأزق المفتعل يفترض أنه هو مركز الإجابة الصحيحة. وكل من هم عن يمينه مخطئون وكل من عن يساره مخطئون. ولى خبرة مباشرة تؤكد أننا مصابون (بدرجة ما) بهذا المرض. فقد وصفنى البعض بأننى إخوان (أو على الأقل خرجت من عباءتهم). وقد وصفنى آخرون بأننى علمانى متغرب (أو على الأقل مهزوم نفسيا تجاه الغرب)، بل لقد قرأت على أحد المنتديات نقاشا جاء فيه كلام لا أحب تكراره.
وظننت فى لحظة أن الخطأ من عندى، لأننى أقول كلاما يمكن أن يفسر على أكثر من وجه. ولكن هل من الممكن أن أصل إلى أن أكون الشىء ونقيضه ثم نقيض النقيض فى الاتجاه المعاكس؟
ولكن إذا عدنا إلى ما كتبه جون ستيورت ميل عن المنطق وطرائق الاستدلال لفهمنا بعضا من هذه المعضلة. فالعقل البشرى يستريح لتسكين الناس فى أقل عدد ممكن من الخانات المعروفة سلفا ويقاوم بشكل فطرى محاولة ابتكار خانات جديدة وهى وفقا لتعبيره «عقلية الطفل» الذى ينظر للناس إما كأصدقاء يبتسم لهم أو أعداء يبكى حين يراهم. ويذهب جون ستيورت ميل للاعتقاد بأن جميع مناهج المعرفة الإنسانية المنظمة (العلم والفلسفة تحديدا) كانت تهدف لأن تضيف للخانتين الأولى والثانية الخانات الثالثة والرابعة... إلخ. ومن هنا كان يرى أن هناك فروعا من العلم لابد أن يدرسها كل الطلاب فى كل التخصصات وعلى رأسها «المنطق» لأنه يساعدنا على حسن الاستنتاج بغض النظر عن نوعية المعلومات التى نمتلكها أو كما يقول الجرجانى: المنطق هو العاصم من الخطأ فى التفكير.
ومن هنا أتوجه باقتراح تدريس مادة المنطق (أو ما يعرف فى الخارج بـ «التفكير النقدى») لكل طلاب الجامعات حتى يتعلموا أن وجوه الرأى فى الأمر الواحد قد تتعدد لأسباب منطقية وأن عظمة أى أمة تتمثل فى قدرتها على استيعاب وجوه الرأى المختلفة فيها وأن تنسج منها قواعد البناء الضخم الذى نسميه الحضارة.