ضوء أمل يخرج من المسرح القومى
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
الثلاثاء 30 ديسمبر 2014 - 8:55 ص
بتوقيت القاهرة
الشخص الذى اختار مسرحية «باحلم يا مصر» فى إعادة افتتاح المسرح القومى يستحق التحية والتقدير.
هذه المسرحية التى كتبها الراحل الكبير نعمان عاشور جاءت فى توقيتها تماما. لو كنت مسئولا لقررت هذا النص المسرحى على الطلاب لأنه يستطيع أن يواجه التطرف والمتطرفين بأفضل ما يكون مقارنة ببعض المعالجات الكارثية الراهنة.
عاشور كتب المسرحية بنصين مختلفين هما «بشير التقدم» و«باحلم يا مصر»، ومساء الأحد تم دمج النصين بصورة رائعة على خشبة المسرح القومى بالعتبة بعد توقف قسرى بفعل الحريق الذى التهم المسرح فى عام 2006.
المسرحية تدور حول حياة ودور رفاعة رافع الطهطاوى من أول خروجه من طهطا وسفره إلى باريس ضمن البعثات التى أرسلها محمد على إلى أوروبا، ثم عودته وتطبيق ما تعلمه وشاهده فى فرنسا فى مصر.
بداية المسرحية كانت «سورة اقرأ» للدلالة على أهمية التعلم والعلم.
كل لحظة وأنت تشاهد المسرحية تتذكر أحوالنا الحالية وليس فقط حال مصر تحت حكم محمد على من 1805 حتى وفاته عام 1849، وبعدها حكم عباس وإبراهيم وسعيد،والسبب أن ذهنية التخلف التى قاومت أفكار وإصلاحات الطهطاوى لاتزال كما هى حتى لو كانت الأزياء والمبانى والآلات والأدوات تنتمى إلى أحدث ما أنتجته التكنولوجيا.
عندما كان الطهطاوى فى طهطا قبل سفره لفرنسا أفتى بعدم جواز إجبار الفتاة على الزواج بمن لا تحب واشترط موافقتها حتى يصح العقد.
وكان طبيعيا أن يصطدم الطهطاوى بكل الرجعيين.. أحد مواطنى طهطا قال لأحد فقهاء السلطان: «لماذا تخطب فينا دائما بقوله تعالى:«ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم».. لماذا لا تستخدم معها: «إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها».
عندما احتك الطهطاوى بالغرب وقال مقولته الشهيرة: «ذهبت إلى بلاد فيها إسلام بلا مسلمين وعدت إلى بلاد فيها مسلمين بلا إسلام» أدرك أن ما ينقص مجتمعاتنا معادلة «الحرية والعلم والعمل».
الكسالى والمتخلفون والمتطرفون أقنعوا عباس بن محمد على بأن أفكار الطهطاوى التى جاء بها من الغرب خطر لأنها ليست فقط ضد «الدين الرسمى»، بل ضد السلطان والحاكم، ولذلك قرر عباس وقف وإلغاء القراءة، بعدها سمعنا المبدع على الحجار الذى مثل ببراعة دور الطهطاوى يغنى: «فكرة الحرية بتمر فوق سطور الكراريس».
اليوم نحن فى حاجة ماسة إلى أكثر من طهطاوى فى كل المجالات، ليواجه التطرف بفكر مستنير، ويفهم أصول الدين وجوهره طبقا لمقاصد هذا الدين الحنيف وسماحته ووسطيته.
لا نريد خطابة وكلاما منمقا أو مكررا، لأن جوهر ما فعله الطهطاوى أنه ترجم معظم علوم الغرب ومصرها وليس فقط فى مدرسة الألسن.
مساء الأحد شعرت بأن هناك أملا فى المستقبل، لأنه عندما يتم إنارة المسرح القومى وتجديده وتعود العروض المسرحية مرة أخرى فهذا أقوى سلاح يمكن به مواجهة الإرهاب والإرهابيين.
كل مسرحية أو فيلم أو مسلسل جاد وهادف أنجع مليون مرة من أى سلاح مادى فتاك ضد الظلام والظلاميين، ولذلك نحتاج إلى نصوص كثيرة فى كل أنواع الفنون.
تحية تقدير إلى المهندس إبراهيم محلب ووزراء التموين والتضامن والشباب والبيئة والثقافة وكبار المسئولين والفنانين الذين حضروا العرض تشجيعا ودعما للفن الراقى. وتحية أكبر لكل من اعاد هذا المسرح للحياة مرة أخرى، وكما قال مخرج العرض سمير السيد: «أقبل أيادى كل من عملوا على هذا المسرح».
كان مفروضا أن يتم إعادة الافتتاح فى 2011 احتفالا بمرور 93 عاما على وقوف أول فرقة مسرحية على المسرح فى يناير 1921، لكن وكما قال السيد، لم تكن مصر هى التى نعرفها.
المسرح بعد تجديده صار تحفة فنية، خصوصا تذكارات العظماء مثل زكى طليمات ويوسف وهبى والمليجى.
عندما يختفى الباعة الجائلون من حول المسرح، ويعود الإبداع والفن الجاد فوق الخشبة.. فهناك أمل فى الغد.