زي بروتوكولي وليس حجابا
عمرو هاشم ربيع
آخر تحديث:
الخميس 30 ديسمبر 2021 - 10:05 م
بتوقيت القاهرة
فى الأسبوع الماضى طالعتنا الصحف بالإعلان عن خبر التنبيه لدخول مؤتمر طبى بزى لائق، وحددت المشرفة على المؤتمر ذلك بالفستان بـ«أكمام»، ومنع البنطلون الضيق، وقد سبب ذلك نوعًا من التعجب من وجود تلك الشروط فى مؤتمر تحضره نخبة معتبرة من الناس تأتى لتهتم بأمر طبى مهم، وواقع الأمر أن هذا الموضوع يثير عدة أشكاليات:
أولًا: إن مثار التعجب المبدى عادة من تلك الشروط وما هو على شاكلتها فى بعض الأماكن، مرده إلى أننا مررنا بتجربة مريرة من أصحاب الفكر المارق الذين يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يقولون، ما جَعل وسبَّب لدى المتعجبين خشية من العودة مرة أخرى إلى الوراء. بعبارة أخرى، خلف حكم الإخوان لدى الكثيرين عقدة لكل ما هو أبجديات فى الحضور بالأزياء التقليدية فى المناسبات الرسمية، باعتبار ذلك مقصده إخوانيا أو سلفيا.
ثانيًا: إن الأمر المشروط من قبل المؤتمر لا يعتقد أنه يمت لمسألة الدين أو الشرع بصلة، لأن الحاضرين هم من أديان مختلفة، وإلا كان المشرفون على المؤتمر قد وضعوا شرط ارتداء الحجاب كشرط لازم لدخول المؤتمر، لو كانوا يقصدون سلفنة أو أخونة المؤتمر. لكنهم كان عليهم أن يضيفوا لتوضيح المقصد أن على الرجال أيضًا الالتزام بالزى الرسمى (البدلة).
ثالثًا: من حكم العرب قديما أنه «لكل مقام مقال» ونعنى هنا أن هناك زيا محددا لحضور المؤتمرات العلمية، وإن للسهرات والأمسيات الثقافية زيا، ولبيوت لله زيا، وللبحر زيا، ولأماكن العمل زيا وهكذا. لكن ولأننا فقدنا البوصلة بسبب الجيل المارق هذه الأيام فقد كان يلزم التنويه والتذكير كما فعل منظمو المؤتمر وإن كان تنبيههم منقوصا كما سلف ذكره.
ثالثًا: إن الزى فى أية دولة يرتبط بثقافتها، وهو أمر يرتبط بتاريخها وحضارتها. وفى مصر منذ عدة عقود وجدنا الكثير من النساء يرتدين أزياء لا تمت للحجاب بصلة، وكانت أحيانا قصيرة، وربما عارية الأكتاف، ولكن بالمقابل كان الجيل الموجود وقتئذ قد تربى على قيم ومثل نبيلة تمنع التهكم ومن باب أولى التعدى أو التحرش أو التنمر. وكان عدد الناس محدودا، والتكدس والاكتظاظ فى الشوارع غير موجود، وكان الزواج سهلا، والتعليم راقيا ويغرس قيما نبيلة للتسامح وغض البصر والفضيلة ومكارم الأخلاق فى التعامل مع الغير.
رابعًا: فى الوقت الراهن ومع اضمحلال المثل، ولكون الهوية والقيم قد سقطوا ضحايا مؤسسات التعليم (المدرسة) وقبلها مؤسسة الأسرة، اللذان لم يعودا أداة للتنشئة الاجتماعية كما كانا، أصبح الأمر يحتاج إلى وقفة مهمة للضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه التعرض للمرأة أو جسدها بالتنمر أو التحرش ومن باب أولى الخطف والاغتصاب. وقد سنت فى الآونة الأخيرة عديد القوانين التى تزجر وتعاقب، لكن ما زال بعض الناس من المستهترين والمارقين لا يعبأون بكل ذلك، وتشهد على ذلك معالجات الحوادث فى وسائل الإعلام. لذلك لزم بالمقابل أن يكون هناك حرص من الجانب الآخر حتى تنتفى ذرائع لتلك الأفعال التى تتسم بالخسة.
خامسًا: إن النظر إلى وسائل الإعلام الأجنبية فى الغرب، والتى تعرض لمؤتمرات وورش عمل، أو حتى مظاهرات واحتجاجات، أو استقبالات رسمية لرؤساء الدول، يجد أن مسألة الأزياء العارية لم يعد لها وجود، ومن ثم ما كان البعض هنا ينقل عنه لم يعد مصدر نقل، وإن كان مصدرًا فمن باب أولى أن يكون النقل الحالى للأزياء اللائقة فى المناسبات البروتوكولية والرسمية.
سادسًا: إن النظر إلى المجتمعات العربية وفى قلبها المصرية، وما يفعله قطاع من الشباب بمحاكاة الثقافات المستوردة فى الملبس والمأكل والمشرب والسلوك، يرى أن تلك التصرفات ما برحت أن تستفز الغالبية، فالعرى الذى لم يعد قاصرًا على النساء بل تعداه للرجال فى لبس الجنيز الممزق، أو قص شعر الرأس بطرق استفزازية، أو ربطه كالسيدات (استخدام التوكة أو الضفائر)، أو استخدام مصطلحات لغوية أثناء الحديث لا تمت للعربية بصلة، وتهجر الثقافة والهوية، وتستدعى كل ما هو سيئ لدى الأجنبى فى وقت لا يستعين بنا الأجنبى فى شىء يذكر. كل ذلك يجعل الحاجة إلى الضبط السلوكى أمر مهم، دون أن يعنى ذلك الإخونة أو السلفنة، أو حتى ربط كل ذلك بالشرع، وإن كان ذلك الربط الأخير ليس عيبًا، بل هو وازع يحث على الفضيلة. وقد لا حظنا منذ أسابيع كيف بح صوت نقيب الموسيقيين من الأصوات والألحان والكلمات واللباس النشاذ للمغنيين، بعد عن ضنى الزمان أن ينجب لنا مرة أخرى أم كلثوم وفايزة وحليم وفريد وشادية وغيرهم.