بدون ترخيص

عمرو خفاجى
عمرو خفاجى

آخر تحديث: الخميس 31 يناير 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

ربما يكون ما أعلنت عنه بعض المصادر من محافظة الجيزة، هو أول رقم رسمى حكومى عن حجم البناء المخالف فى مصر ما بعد الثورة، والرقم المفزع يقول إن محافظة الجيزة بها أكثر من ١١٠ آلاف مبنى مخالف وغير مرخص، فى حين كان الرقم قبل الثورة لا يتجاوز ثلاثة آلاف مبنى فقط، والرقم يعكس حقيقة مرعبة تنبئ عما هو قادم من كوارث فى حدود هذه المحافظة فقط، ناهيك عن أن المسئولين عن هذا الأمر يصرخون ويشتكون ولا أحد يسمع لشكواهم، وها نحن نسجلها بهذه الكلمات حتى لا يقول أحد، حينما تقع الواقعة، ان صغار الموظفين هم المسئولين عن ذلك، وفقا للعادة المصرية الراسخة، ولنا فى عمال المزلقانات أسوة حسنة.

 

والمدهش، لعلكم تذكرون، انه مع اللحظات الأولى لاشتعال الثورة، حتى قبل ان يتضح انها ثورة، سارع كثيرون فى أربعة أنحاء مصر فى البناء بدون ترخيص دون رحمة أو هوادة، ولن يصدق أحد ان العمل، أثناء الثورة كان فى هذه الأبنية المخالفة، كان يتواصل فيه الليل مع النهار، فقد كانوا يعتقدون انها أيام لن تتكرر، ناهيك عن تعلية الأدوار أو البناء على الرقعة الزراعية التى تتقلص من أمام أعيننا يوما بعد آخر دونما محذر أو متعامل بجدية مع هذه المشكلة المزدوجة ذات العواقب الوخيمة.

 

وإذا كان هناك. فى محافظة الجيزة من امتلك الشجاعة ليعترف بحجم المآساة التى نتجت خلال عامى الثورة فى مجال عمله، ففى المقابل لدينا فريق آخر متقاعس تماما عن هذه المهمة لمخالفات بدون ترخيص أخطر كثيرا مما قام على الأراضى والبنايات.. فمع اندلاع الثورة أيضا قام كثيرون ببناء مواقف وسياسات وجماهيرية دون ترخيص حقيقى بل بأوراق مزورة ومواقف مزيفة كاذبة عرف بعضهم كيف يمررها للرأى العام وآخرون اشتروها بثمن بخس، وأصبح بعض رجال النظام السابق، وعملاء الأجهزة الأمنية، وكبار مؤيدى مشروع التوريث، ومحامو كل الفاسدين من قيادات الحزب الوطنى ما قبل الثورة، هم من أبرز الأسماء على واجهة ثورة يناير ٢٠١١، حدث هذا تحت سمع وبصر الجميع.. دون أن يرفضه أحد أو يعترض عليه أحد، اللهم فى حالات نادرة، وغالبا كان الاعتراض لأسباب شخصية ممن اعترض. (الإعلام بما يعرف يتحمل الجزء الأكبر من المسئولية).

 

والمذهل فى الأمر، أن بعضا ممن بنوا لأنفسهم، مراكز ومواقف جديدة بدون ترخيص، نجحوا فى ذلك أيضا مع الحزب الذى فاز، والذى قبل ذلك بانتهازية شديدة (السياسة تفهم ذلك وتتقبله وتحتاجه فى كثير من الأحيان)، ووجدنا بعضا من هؤلاء فى مراكز القيادة السياسية والحياة العامة فى الحكم، تماما كما هم فى المعارضة، وأحيانا على رأس الثوار (هنا الأمر غير مقبول بأى صورة من الصور) وإن كان الثوار فى الغالب لا يعلمون لأسباب كثيرة ليس الآن مجال شرحها أو تفسيرها.

 

لدينا الآن فى المشهد أبطال التوريث الذين كانوا، ثم أصبحوا مستشارى العسكر، وتحولوا لـ«يسقط يسقط حكم العسكر»، وآخرين ركبوا الثورة وأعلنوا ثوريتهم ونسجوا حكايات وهمية عن دورهم فى الـ١٨ يوما الخالدة، رغم أنهم ولدوا بعد تنحى مبارك، وأعلنوا عن أنفسهم بصفاقة شديدة، وسط حراسة وتأييد من الرأى العام، الذى أغلبه مغلوب على أمره، ناهيك عن أبطال عدم الخروج على الحاكم ويطالبون الآن بضرورة استمرار الثورة من أجل تحقيق أهدافها.. هؤلاء جميعهم، والذين قبلوهم، جزء أصيل من تأزم المشهد الذى تعيشه مصر الآن، وأعتقد أن أحدا لم يتوقع أن الثورة كانت ستحتاج لعمليات تطهير بهذه السرعة قبل ان ينهار ما تم بناؤه بدون ترخيص على من لا ذنب لهم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved