حرائق لوس أنجلوس ليست بعيدة عنا
نبيل الهادي
آخر تحديث:
الجمعة 31 يناير 2025 - 7:25 م
بتوقيت القاهرة
حرائق الغابات فى كاليفورنيا، خاصة فى الصيف، هى أحداث متكررة ومتوقعة وقد عايشت بعضًا منها فى منتصف تسعينيات القرن الماضى، ولكن حرائق الغابات فى شهور الشتاء وبهذه الضراوة والحجم من الخسائر المادية والبشرية هو أمر غير معتاد تماما. طبقا لمعهد الموارد العالمية، فإنه منذ السابع من يناير وحتى الرابع عشر من نفس الشهر، اضطر عشرات الآلاف النزوح من منازلهم إضافة إلى وفاة أربعة وعشرين شخصا. قضت حرائق باليساديس (وهى أولى حرائق لوس أنجلوس، والتى لم يتم السيطرة عليها بسهولة) على حوالى ثلاثة وعشرين ألف أكر (وحدة قياس قريبة من الفدان) كما دمرت المجتمعات المحيطة بها.
كل من حرائق بالسياديس وإيتون هما من أكثر الحرائق تدميرا ودموية فى تاريخ ولاية كاليفورنيا. ويتوقع تزايد حجم الخسائر مع التنبؤات بقدوم رياح قوية فى الطريق. وللدلالة على التغيرات الحادثة يمكن النظر إلى إنذارات الحرائق التى تُبنى على معلومات مستقاة من الأقمار الصناعية، طبقا للحرارة المولدة، وبلغت فى مقاطعة لوس أنجلوس حوالى مائة وسبعين إنذارا بالحريق حتى الثالث عشر من يناير، وهو ما يمثل أكثر من مائة ضعف متوسط الإنذارات لأول ثلاثة أسابيع من العام مقارنة بالفترة من ٢٠١٢-٢٠٢٤.
مصطلح حرائق الغابات أو حرائق البرارى لا يعكس حقيقة هذا النّوع من الكوارث، ولهذا يُطلق عليه اليوم اسم العواصف النارية، هذه التسمية تُمثل بطريقة أدق قوة هذه الحوادث، لأن هذه الأخيرة تتمتع بخاصيات تمتاز بها العواصف المناخية الاعتيادية كالأعاصير مثلاً. ولكن هذه الحرائق لا تقتصر فقط على الغرب الأمريكى أو أوروبا فقط، ففى الأعوام القليلة الماضية، وقعت العديد من حرائق الغابات المدمرة فى جوارنا العربى، فمثلا فى العام الماضى قالت السلطات الجزائرية، إن مصالحها المدنية تكافح لاحتواء حرائق غابات ضخمة اندلعت فى أربع ولايات جنوب شرق البلاد، وتسببت فى خسائر مادية كبيرة، وفى إتلاف المحاصيل الزراعية. واندلعت تلك الحرائق بشكل سريع فى عدة واحات مما تسبب فى إتلاف عشرات الهكتارات من أشجار النخيل ونفوق الكثير من الحيوانات، بينما فتحت الشرطة تحقيقا لمعرفة أسباب اشتعال هذه النيران. قبلها بأعوام قليلة ومنذ بداية يوليو 2021، شهد شرق الجزائر حرائق كبيرة التهمت أيضا عشرات الهكتارات وتسببت فى مقتل تسعة وستين شخصًا وإصابة ما لا يقل عن اثنى عشر آخرين بالإضافة إلى إحراق عشرات المنازل واحتراق غابات الزيتون مصدر رزق أهالى ولاية تيزى وزو. كما شهدت ليبيا، وعلى مدى خمسة أيام، حرائق مستعرة التهمت مزارع «تراغن» الليبية مسجلة خسائر هائلة. وفى تونس، أتت النيران على ١٢٠٠ هكتار، فى العام ٢٠٢٣، متسببة فى أضرار كبيرة للزراعات والسكان، وفى ذات العام، أتت الحرائق على أكثر من ستة آلاف هكتار فى المغرب.
بالرغم من الطبيعة الصحراوية الغالبة على المملكة العربية السعودية إلا أن بها مناطق مليئة بالغابات مثل عسير فى الجنوب الغربى، حيث ازدادت حالات حدوث حرائق الغابات فى منطقة عسير فى السنين الأخيرة مما أدى إلى تدمير أراضٍ شاسعة، ونتج عنها خسائر هائلة فى الأشجار، وبعض الحرائق استغرق أكثر من أسبوع حتى تمكنت قوات الدفاع المدنى من السيطرة عليها وإطفائها، مما أدى إلى حدوث خسائر مادية كبيرة جدا، وخسائر فى الأرواح البشرية وذلك طبقا للباحثة علا على.
بعد الحرائق المدمرة التى وقعت فى كاليفورنيا، عام ٢٠١٨، كتب أستاذ حرائق الغابات، فى جامعة هومبولت، جيفرى كين، فى عام ٢٠١٩، معلقا أن موسم الحرائق فى ٢٠١٨ كان الأكثر دموية وتدميرا -حتى هذا الوقت- حيث احترق ما يقرب من ١٫٩ مليون أكر، وهى مساحة أكبر مما اُحترق فى كاليفورنيا فى الخمسين عاما السابقة عليها. لكن أغلب العلماء والإطفائيين ومديرى الغابات لن يقولوا إنها كانت حدثا مفاجئا. فى الحقيقة فإن ١٥ من ٢٠ أكبر الحرائق فى تاريخ ولاية كاليفورنيا حدثت منذ العام ٢٠٠٠. أكد جيفرى كين أن حرائق ٢٠١٨ هى جزء من نمط متكرر عبر الغرب الأمريكى لا يبدو أنه سيتباطأ فى المستقبل القريب لو لم نقم بتغييرات هائلة. لأن موسم الحرائق هذا كان نتاجا لثلاث عوامل: التغير المناخى، والممارسات التى تمت فى الماضى لإدارة الغابات والحرائق، والتقارب المتعاظم بين العمران والمناطق البرية.
• • •
إذا استبدلنا إدارة الحرائق والغابات بإدارة الموارد الطبيعة واستبدلنا المناطق البرية بالنيل والجزر والبحار يمكننا أن نرى بوضوح أن العوامل الرئيسية الثلاث المتسببة بالكوارث الكبرى، التى حدثت فى السنوات الماضية (وللأسف ستحدث فى المستقبل القريب)، هى وراء الفيضانات المدمرة أيضا، ووراء موجات الحرارة المتطرفة فى العديد من الدول ومنهم مصر. ويتوقع العلماء أن وتيرة تلك الأحداث ستتصاعد فى الشهور والسنوات القليلة القادمة، وأننا لم نرَ الأسوأ بعد.
من الممكن للكوارث، مثل الموجات الحرارية المتطرفة، أن تكون أكثر دموية للأسف خاصة فى ظروف التكدس السكانى المرتفع للغاية، كما فى المناطق غير الرسمية فى مصر والتى يعيش بها ما يقارب أو يزيد على نصف عدد السكان.
أظهرت دراسة قامت بها إحدى طالباتى فى بحث الماجستير الخاص بها، والذى بنته على قياسات من الواقع فى إحدى المناطق السكنية غير الرسمية فى القاهرة، نتائج تثير الانزعاج بشدة، خاصة، فيما يتعلق بالظروف المتوقعة مستقبلا وقدرة السكان على تحملها. وبالرغم من أننا ما نزال بحاجة للعديد من الدراسات الأخرى المبنية على القياسات الميدانية، فإنها تؤكد أن ما تشير له وتؤكده أبحاث عالمية وتتبناه اللجنة الدولية العابرة للحكومات المختصة بالتغير المناخى هو أيضا ينطبق علينا.
ماذا سنفعل إزاء تلك الكوارث التى أصبحت على أبوابنا؟ سؤال إجابته الوحيدة فعل مبنى على العلم المتراكم لدينا والمصحوب بالمزيد من البحث والدراسة.