سوريا المعضلة
إيهاب وهبة
آخر تحديث:
السبت 31 مارس 2012 - 9:25 ص
بتوقيت القاهرة
ادعت الولايات المتحدة، ولم يصدقها احد بالطبع حينئذ، أنها ذاهبة للعراق فى عام 2003 من اجل القضاء على أسلحة الدمار الشامل الموجودة هناك. واقع الأمر أن الولايات المتحدة لم تكن لتغزو العراق لولا اطمئنانها الكامل إلى خلوه تماما من تلك الأسلحة، وهو الأمر الذى سبق أن أكدته الوكالات الدولية المعنية قبل الغزو بفترة طويلة. ينطبق الحال أيضا على ليبيا، فبعد أن تخلى القذافى، طواعية وعن طيب خاطر، عن كل إمكانياته لتطوير أسلحة الدمار الشامل، وذلك فى نفس عام الغزو الأمريكى للعراق، وقام بتدمير معظم مخزونه من هذه الأسلحة، أصبح الطريق ممهدا أمام الولايات المتحدة وحلف الناتو كى يصولوا ويجولوا عبر الأجواء الليبية، وعلى شواطئها، وفوق أرضيها عن طريق القوات الخاصة، التى لم يتمكنوا من إبقاء أمر تواجدها سرا لفترة طويلة.
●●●
الحال فى سوريا مختلف تماما. تمتلك سوريا ترسانة ضخمة من الأسلحة الكيماوية، وقامت بإنتاج وتطوير قدراتها على إنتاج هذه الأسلحة بمساعدات من قبل العديد من الدول على امتداد العشرين عاما الأخيرة.
أضف، إلى هذا ما تمتلكه من أسلحة بيولوجية. ويرى عدد من الخبراء أن برنامج تطوير الأسلحة الكيماوية فى سوريا يعتبر من أضخم البرامج فى العالم، حيث يقدر عدد مراكز إنتاج ذلك السلاح بخمسين مركزا منتشرة فى أنحاء عديدة على الأراضى السورية. لذلك فإن التصريحات الصادرة عن المسئولين الأمريكيين، سواء فى البيت الأبيض أو البنتاجون أو وزارة الخارجية، كلها لا تحفى قلقها البالغ على مصير تلك الأسلحة ذات الدمار الشامل فى حالة انهيار السلطة فى سوريا. ويؤكد هؤلاء أنهم يرقبون الأمر بصفة دقيقة، ويستخدمون وسائل عدة لرصد الأنشطة المتعلقة بذلك البرنامج بما فى ذلك استخدام الأقمار الصناعية. وصل الحد ببعض أعضاء الكونجرس إلى مطالبة الإدارة الأمريكية بأن توضح موقفها بجلاء فيما يتعلق بكيفية تأمين تلك الترسانة الضخمة من الأسلحة الكيماوية، أو تحييدها تماما، حتى لا تستخدم ضد المدنيين أو ضد المصالح الأمريكية أو الإسرائيلية.
وتم تصور سيناريوهات عدة لما يمكن أن تتخذه مسار الأحداث فى سوريا فى المستقبل، وأثار ذلك على وضع السلاح الكيماوى فيها. فبالإضافة إلى إمكان استخدام النظام السورى ذلك السلاح لتهديد المصالح الأمريكية والإسرائيلية، فهناك احتمال قائم بأن يقوم النظام فى مرحلة من المراحل بتهريب جزء من مخزون ذلك السلاح إلى إيران أو حزب الله. وهناك احتمال وقوع هذه الأسلحة فى قبضة جماعات إرهابية مع تدهور الأوضاع بالمزيد فى سوريا، وفقد النظام سيطرته على بعض المناطق التى يتواجد بها ذلك السلاح.
●●●
كل هذه المخاطر وغيرها تدفع الولايات المتحدة إلى توخى الحذر تجاه أية دعوات لتدخل عسكرى فى سوريا، أو إمداد المعارضة بالسلاح، بل وإقامة مناطق آمنة داخل سوريا تحتاج إلى حماية عسكرية. غير انه يبدو أن بعض الأطراف الإقليمية لا ترى ما تراه الدول الكبرى، ولا تقدر التقدير السليم آثار اتساع نطاق الأعمال العسكرية على دول الجوار، الأردن ولبنان والعراق وتركيا، إذا انجرفت سوريا إلى اتون حرب أهلية شاملة. فهناك تقديرات حول إمكانية قيام بعض الدول العربية بتقديم المال والعتاد إلى المعارضة السورية وتسليح جيش سوريا الحر.
يعتمد النظام السورى إلى جانب الدعم الإيرانى (الاقتصادى والعسكرى)، على تأييد ودعم روسيا الاتحادية. ولا يبدو أن الضغوط الدولية أو العربية قد نجحت فى زحزحة روسيا عن موقفها، بالرغم من أن ذلك الموقف قد افقدها الكثير من المتعاطفين داخل سوريا وخارجها. كل ما أمكن لهذه الدول تحقيقه هو صدور بيان رئاسى من مجلس الأمن، وليس قرارا ملزما يوم 21 مارس الجارى، حرص على التأكيد على أهمية قيام عملية سياسية بقيادة سوريا للانتقال إلى الديمقراطية والتعددية.
ويبدو واضحا الآن التقاء المصالح الأمريكية مع المصالح الروسية ــ كل لأهدف مختلفة ــ حول تجنب انهيار كامل للنظام فى سوريا، بفتح الباب أمام تدخلات إقليمية لا يمكن حساب نتائجها بدقة، جنبا إلى جنب مع مخاطر انتشار أسلحة الدمار الشامل سواء الكيماوية أو الجرثومية. يضاف إلى ذلك أن انهيار النظام فى سوريا قد يأتى مصاحبا لاندلاع حرب أهلية قد تجعل من الساحة السورية مرتعا خصبا للتنظيمات الإرهابية.
●●●
إذن فالآمال معقودة الآن على نجاح المبعوث المشترك للجامعة العربية والأمم المتحدة كوفى أنان، فى التوصل إلى حل للمعضلة السورية. ومن اللافت للنظر أن لجنة تقصى الحقائق التى شكلها مجلس حقوق الإنسان لبحث الأوضاع فى سوريا قد أكدت على لسان رئيسيها يوم 23 مارس الجارى، أن الحل الوحيد للأزمة الحالية فى سوريا لن يتحقق إلا من خلال تسوية تفاوضية، مشيرا إلى أن انتهاك حقوق الإنسان فى سوريا انتقل من الاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين، إلى هجمات جماعية على المناطق الأهلة بالسكان. وأوضح رئيس اللجنة، ودون مواربة، أن التمادى فى عسكرة النزاع سيساهم فى اتساع نطاق المواجهات وتحولها إلى حرب أهلية طاحنة، سيكون من الصعب إيجاد مخرج منها.