اخلعوا أيديكم عن الخلع.. والدين
مروة شرف الدين
آخر تحديث:
السبت 31 مارس 2012 - 9:20 ص
بتوقيت القاهرة
فى الحقيقة لا أفهم أولئك، رجالا كانوا أم نساء، الذين يسمحون لأنفسهم أن يتكلموا باسم الدين ودفاعا عنه وهم حقيقة بجهودهم الخلاقة هذه يتفوقون وبجدارة على أعدائهم فى تخويف وتنفير الناس عن الأديان. فالنائب الوفدى الكريم الذى يطالب بإلغاء مادة الخلع رقم 20 فى قانون 1/2000 يروج للعامة فكرة ان الإسلام يجبر المرأة على المكوث فى حياة تعيسة مع زوج كرهته، حتى وإن كانت لا تلوم عليه دينه أو أخلاقه مثل امرأة ثابت بن قيس والتى كانت أول حالة خلع نعرفها تمت على أيدى الرسول (ص) بنفسه. ألا يعلم النائب المدافع عن الإسلام أن أحد شروط عقد الزواج فى الإسلام هو الرضا؟ ومتى انتفى هذا الرضا من أحد الجانبين لأى سببٍ كان فقد رتب الفقه الطرق المختلفة التى عن طريقها يحق لأيٍ من الأطراف إنهاء العقد؟ وقد اختلف الفقهاء فى ثلاثة عناصر للخلع وهى: المبلغ الذى تفتدى به الزوجة نفسها، مدى وجوب رضا الزوج أم لا، وسلطة القاضى فى عملية الخلع برمتها. وفى اختلافهم للناس رحمة، فهم أولا وأخيرا بشر حاولوا فهم النص القرآنى والسنة اللذين لم يحددا بشكلٍ قاطع دلالة ما يجب عمله بالتفصيل فى هذه العناصر ويثابون على محاولاتهم.
●●●
ولكن يأتى البعض وبشكل جازم لم يجرؤ عليه أيٍ من الفقهاء القدامى الذين دوما ما حرصوا على إنهاء كتاباتهم بـ«والله أعلم»، يأتِى آخرون فى زماننا هذا ليقرروا أن إعطاء حق الخلع للمرأة يتنافى مع الإسلام، وهم بهذا يعتبرون ضمنا أن الزوجة وإن كان رضاها شرطا للدخول فى الزواج فرضاها هذا ليس له أية أهمية حين تصبح زوجة، وأن رضا زوجها فقط هو ما يُعتد به فى حال انها كرهت العيش معه (فيجعله الخصم والحكم فى نفس الوقت)، ما هى الرسالة التى نود ان نرسلها إلى بناتنا؟ أنكِ من غير زواج فى حالٍ أفضل ويعتد برأيك وقتها فقط؟ أنك مجبورة أن تسلمى نفسك حتى لو كارهة إلى زوجك، وأنك لا رأى لك فى سريان هذا الزواج من عدمه بما أنك أصبحت زوجة؟ ما هذا الفكر المغلوط الذى ينفر البنات من الزواج والدين فى آنٍ واحد؟ ولماذا نعتبر الزوجة شيئا ليس له رأى وعقل وكيان يجب أن يُحترم مثلما تحثنا جميع الأديان جمعاء؟ فقد دخلت الزوجة العقد بإرادتها ورضاها فمن حقها، إن لم تكن عبدة طبعا، الخروج منه أيضا حين ترى الضرورة لذلك، علما بأنها عادة ما تكون المتضررة الأكبر من هذا الفعل بعد حصولها على لقب «المطلقة» الكريه فى مجتمعاتنا واضطرارها لدفع المال للزوج لذلك، فما يرغمها لدفع هذا الثمن الباهظ من المؤكد أنه جلل.
وماهى الرسالة التى نود ان نرسلها أيضا إلى أبنائنا الشباب؟ أنك أنتَ وحدَك من له القدرة وعليه مسئولية تقرير مصير الآخرين (لاحظ التشابه بين هذا الفكر وفكر نظام حسنى مبارك فى أنه الوحيد الذى يستطيع قيادة مصر والمصريين جميعا، فنحن مبدعون فى خلق الديكتاتور من الصغر)؟ وما هذا الضغط النفسى الذى نضعه على أبنائنا بتحمل مسئوليات جمة منها تقرير ما هو الأفضل لمن حوله جميعا وكأنه الوحيد المطلوب منه التفكير فى الآخرين بموضوعية حتى فى الحالات التى قد تكون مشاعره مجروحة من رفض زوجته له، فكيف له أن يتصرف بموضوعية هنا واتخاذ قرار سليم؟ كيف نضمن انه لن يسيئ استخدام الحق فى هذا الوضع الحساس؟ وللأسف فقد تم تصوير الخلع على أنه انتقاص من ذكورة الرجال، فثابت بن قيس كان رجلا خلوقا متمسكا بدينه بشهادة زوجته، ولكن مع ذلك أرادت هى أن تتركه، فهل انتقص ذلك من رجولته؟ أم انه رفعه فى مكيال الرجال لمنزلة رفيعة تأبى فى رقى أن تجبر امرأة على العيش فى زيجة رغما عنها؟ هل سألها وقتها الرسول إن كانت تفعلها لأنها تريد السفر أو أن ثريا عربيا قد غرر بها؟ لم يسألها يا سيادة النائب لأنه ببساطة ليس من الأمر فى شيئ، فالدارس لأحوال الزواج فى هذا الوقت يعرف أن النساء والرجال فى ذلك الزمان كانوا كثيرى الزواج ولم يكن هذا شيئا غريبا لهم مثلما هو لنا الآن.
●●●
المرأة إنسان، لها إرادة قانونية اعترف بها الإسلام من قديم الأزل عندما فصل ذمتها المالية عن زوجها ولم يسمح له التدخل فى أى قرارات تأخذها بشأن أموالها أو العقود التى تبرمها على إثرها، فنفس هذه الإرادة القانونية يجب أن تسمح لها الدخول والخروج من عقد الزواج أيضا، والخلع ما هو إلا أحد هذه الطرق الشرعية التى تسمح لها بذلك.
وليس كل الرجال ولا كل النساء ملائكة ولذلك فقد حاول الفقهاء القدامى شحذ قريحتهم لتنظيم عملية الدخول والخروج القانونية من الزواج للرجل والمرأة بناء على فهمهم للنصوص القرآنية والأحاديث وبناء على القيم السائدة فى مجتمعاتهم والأدوات المعرفية المتاحة لهم حينها لاستنباط الأحكام من النصوص، ولهم جل الشكر على ذلك بالرغم من اختلافاتهم، ولكنه قد أتى علينا الدور لكى نتبع نهجهم فى محاولة تنظيم مجتمعاتنا نحن فى هذا الزمان والمكان بناء على أدوات معرفية متطورة تتعاطى مع النصوص بشكل يحفظ الكرامة الإنسانية ويشجع الناس على التصرف برقى فيما فيه احترام للآدمية ومصلحة الإنسان، نساء كانوا أم أطفالأ أم رجالا.
أتى علينا الدور لكى نحترم الرجل والمرأة سويا ليس واحدا دون الآخر، لكى نبنى معانى راقية للرجولة لا تقوم على القهر والجبر واتخاذ حجة «مصلحة الأسرة» للتغطية على الخوف الرهيب من انتقاص فارغ لصورة ذكورية مغلوطة لا علاقة لها بالرجولة والإنسانية، ولكنها سبب ضغط كبير وغير واقعى على رجالنا. قد جاء الوقت الذى يجب علينا فيه الاعتراف بأهلية المرأة الكاملة وقدرتها وتحملها المسئولية بالفعل فى رعاية وتطوير مجتمعها مع الرجل منذ قديم الأزل.
إثارة موضوع الخلع بهذا الشكل السطحى الآن يهدف إما إلى بلبلة لا داعى لها فى مجتمع أمامه مهام جسام مثل كتابة الدستور، توفير الأمن فى الشارع، محاسبة المفسدين والقتلة، وخلق فرص عمل لشباب وشابات ثاروا لمستقبل أفضل، أو إلى تقليب الرأى العام ضد الإسلام ومن يدعون انهم يمثلونه سياسيا (مع العلم انه لا يصح لأحد تمثيل أى دين بأى شكل سياسى كان)، وبهذا تصبح اللعبة سياسية بالدرجة الأولى تم إقحام الدين فيها لمصالح سياسية بحتة على حساب وطن ينزف كل يوم.
●●●
لقد سئمنا من كل اولئك الذين يدعون أن الدين قال كذا وكذا وأن الدين لا يسمح بكذا، وعندما تبحث بشكل علمى ومتعمق فى المسألة تكتشف أن هذه كلها آراء مرسلة قد تصيب وقد تخطئ، ويتم التشدق القطعى بالدين كذريعة لفرض رأى دون الآخر وللوصول لمآرب سياسية لا علاقة لها بمصلحة الوطن. وبهذا لا نكون قد ظلمنا الناس فقط بتشريع قوانين ظالمة لا علاقة لها بالدين ولكن نكون قد ظلمنا الدين بتصدير صورة له لا تمت للمساواة والعدالة والكرامة التى أتى لها بصلة. ارحمونا وارحموا الأديان التى تدعون أنكم تدافعون عنها والأوطان التى تذبحونها بأفعالكم، فماذا تركتم لأعدائكم؟
● استلهمت هذا العنوان من مقالة مها الأسود «ارفعوا أيديكم عن النساء»