احن رأسك يا أخي
محمد سعد عبدالحفيظ
آخر تحديث:
السبت 24 نوفمبر 2018 - 10:14 م
بتوقيت القاهرة
لم يمر على جيلى من أبناء المهنة أسوأ من تلك الأيام، التى اختلط فيها «هباب برك» السياسة، بـ«وحل» الاقتصاد، حتى صار المشهد الصحفى «أسود من قرن الخروب».
المجال السياسى ضاق إلى درجة صار فيها الصحفيون يترحمون على عصر مبارك.. خاضت صحف خاصة وحزبية معارك شرسة مع النظام، جعلت من رأسه هدفا.. مد الكُتّاب أقلامهم فى مشروع التوريث، حاصرت التغطيات الصحفية تزوير انتخابات برلمان 2010.. فشل إعلام «طشة الملوخية»، و«ولدت يوم ولدت مصر» فى الدفاع بالكذب والنفاق، عن نظام بدأ مشوار السقوط، فى وقت خاض فيه الإعلام الحر معركة تعرية هذا النظام، حتى قضى الله أمرا كان مفعولا فى 25 يناير 2011.
بعد سقوط مبارك ومشروع التوريث، تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة المشير حسين طنطاوى المسئولية، فنُسفت الأسقف، وصارت السماء هى السقف الوحيد للإعلام.. حاول الإخوان بعد وصولهم إلى السلطة فى عام «الرمادة» إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل الثورة، تارة بالترهيب والتهديد بنسف مدينة الإنتاج الإعلامى، وتارة بالترغيب وشراء الذمم، وتارة ثالثة بصناعة إعلام يعبر عنهم، لكنهم فشلوا، وخرج الإعلام منتصرا.
الآن وبعد أكثر من عامين على سقوط الإخوان، أعدنا صب سقف البيت الإعلامى بأيدينا، وهبطنا به من السماء.. رئيس تحريرك يمارس عليك رقابة فيما تكتب وما تختار من عناوين للموضوعات الصحفية، وأنت تمارس على نفسك نوعا آخر من الرقابة الذاتية، وتمارسها بالتبعية على من يعملون معك من محررين.
الاقتراب من المشروعات الكبرى مثل «تفريعة قناة السويس»، أو «العاصمة الإدارية» أو «المليون ونصف المليون فدان» له سقف، التعامل مع أى طرح لشخصيات من عينة البرادعى أو عبدالمنعم أبو الفتوح أو حتى أحمد شفيق له سقف آخر، التعاطف مع حالات إنسانية لأفراد تم القبض عليهم بتهمة الانضمام إلى جماعة محظورة له سقف ثالث، حتى يقترب سقفك من الأرض، فتشعر بأن الهواء بدأ ينفد من حولك.
ما سبق فقرات من مقال كتبته قبل عامين فى نفس الزاوية بعنوان «حالنا يصعب على الكافر».. كلمات المقال لخصت حالة اليأس التى خيمت على الوسط الصحفى، بعد هبوط سقف الحريات الإعلامية إلى مستوى لم يشهده جيلنا من قبل، وهو ما دفعنى إلى أن أختم مقالى حينها بـ«لا أرى أى شعاع نور فى نهاية النفق، الظلام يشتد، فالسقف خانق، ولقمة العيش مهددة».
بعد عامين من «حالنا يصعب على الكافر»، نزل سقف الإعلام بكل منصاته إلى الأرض بالفعل، فمعظم وسائل الإعلام جرى تأميمها، والمواقع التى رفضت أن تدخل «الحظيرة» جرى حجبها، و«الرقيب» ضاعف قائمة الممنوعات، لدرجة أن مجرد نقل خبر عن عمليات الحشد التى قام بها رجال أعمال ونواب للجان خلال الانتخابات الرئاسية، صار تهمة يحال بها الصحيفة ورئيس تحريرها إلى النيابة.
عزيزى القارئ لا تصدق معظم ما ينقله إليك الإعلام، فنحن لا ننقل لك إلا ما يسمح لنا بنقله، الأشجع فينا فى هذه اللحظة هو من يحنى رأسه للعاصفة ويضعها فى الرمال حتى لا يسير فى ركب «التضليل».
أصبح الصمت فضيلة أخشى أن يحاسب من يرتكبها وبأثر رجعى على عدم مشاركته «جوقة التطبيل»، لا يريدوننا إلا أصداء لأصواتهم.
عزيزى القارئ، بعد ما جرى مع «المصرى اليوم» عقب نشرها مانشيت «الدولة تحشد الناخبين فى آخر أيام الانتخابات»، لا تثق فيما تنقله لك منصات الأخبار، فالكل صار يعمل رافعا شعار «لا يكلف الله نفسا إلا وسعها».