صحيفة الخليج ــ الإمارات: الكتابة.. صحّة ونعمة
صحافة عربية
آخر تحديث:
الخميس 31 مارس 2022 - 9:25 م
بتوقيت القاهرة
نشرت صحيفة الخليج الإماراتية مقالا للكاتب يوسف أبو لوز تحدث فيه عن الكتابة ودورها فى حفظ الذكريات.. نعرض منه ما يلى.
الكتابة صحّة ونعمة وتفاؤل وذاكرة. وبالنسبة للكاتب اليومى إذا كان يمتلك أرشيفا وذاكرة وانتظاما حميما مع الورق والحبر والقلم، فلا تخف عليه. من الذاكرة يكتب، من القراءة يكتب، من الأرشيف يكتب، من التاريخ يكتب، ويكتب، وهذا هو المهم، من الحياة.
فى عام 1982، عملت، وأنا فى أوائل العشرين من عمرى فى جريدة «اليوم» بدوام ثابت بعد الظهر، فقد كنت أعمل مدرسا فى المنطقة الشرقية فى السعودية آنذاك، وكانت «اليوم» أوّل جريدة تعلّمنى ألف باء الصحافة، ومدير التحرير صالح العزّاز آنذاك أخبرنى أنه سيخصّص لى فى «اليوم» مكافأة شهرية لقاء عملى بعد الظهر، وسوف يقف إلى جانبى، ويشجعنى، ويدفعنى إلى المزيد من الكتابة.
من باب الشغف والحنين لدىّ ورقة من جريدة «اليوم» «الثلاثاء 1 رمضان 1402 هجرية العدد 3513». أرشيف ثمانينى قديم ولكنه مادة حميمية للكتابة. إنه ذاكرة، وأرشيف، وصداقة.
رأيت فى الصفحة الأخيرة من هذا العدد (بالأبيض والأسود) صورة مفرودة على خمسة أعمدة بلغة المساحة الصحفية أو الإخراجية، وهى صورة رجل منكب على الزراعة والرىّ فى ما يبدو أنها مزرعة فسيحة. التصوير بتوقيع كاميرا مصوّر اسمه: على عبدالله المبارك. وكان تعليق الصورة: «من يغرس لكى يجنى سواه.. يموت ويحيى لكى يجنى».
قرأت أيضا خبرا فى الصفحة الأخيرة فى عدد «اليوم» قبل نحو أكثر من أربعين عاما بعنوان «مات بسبب إسراف زوجته.. ذكرت صحيفة الأهرام المصرية أمس «الإثنين».. انتبه صديقى القارئ «الإثنين» المقصود به قبل نحو أربعة عقود، أن عبدالتواب أمين إبراهيم مدير الجمعية التعاونية فى مدينة الفيوم، 200 كيلو متر جنوبى القاهرة، انتحر لأن زوجته أسرفت فى مطالبها لشهر رمضان».
من الذاكرة والأرشيف أيضا خبر عن أمسية للشاعر البحرينى على عبدالله خليفة فى المنامة، فى كلية البنات فى جامعة قطر «مساء السبت الماضى» نظّمها الفرع النسائى لجمعية الهلال الأحمر القطرى.
كانت الصفحة الأخيرة، وكل صفحات الجرائد فى صحافة السبعينيات والثمانينيات، مكتملة بثمانية أعمدة عريضة، رحبة، كريمة فى الإخراج، والكتابة، والصورة.
تعلّمت، وبالتدرج، منذ أن سرى دم الكتابة والصحافة والشعر فى عروقى أن أقرأ الجرائد أولا من صفحاتها الأخيرة.
هنا فى الصفحة الأخيرة عمود رأى، أو عمود اجتماعى ثقافى، سياسى خفيف، ثم، هنا أخبار من العالم. أخبار صغيرة مع صور صغيرة أحيانا، وأحيانا، ثمة أخبار بلا صور. أخبار على عمود أو على عمودين أو ثلاثة ببنط عادى، وإخراج بسيط، إذا أردت أن تعود إلى أرشيف الورق، وحبر المطبعة قبل الكمبيوتر، ثم إذا أردت أن تعود إلى شبابك العشرينى حينما كنت تقف منتصبا على ثمانية أعمدة تشعر كأنها كانت، آنذاك، أعمدة الحكمة الثمانية.
فى الأخير، لا تنس.. الكتابة صحّة، ونعمة.