انت فاكرنى هندى؟ (1)
محمد الهوارى
آخر تحديث:
الجمعة 31 مارس 2023 - 7:30 م
بتوقيت القاهرة
يستخدم بعض المصريين هذه العبارة الاستنكارية اعتراضا على من يحاول استغفالهم أو إساءة استغلالهم. ولكن ما أبعد هذه العبارة عن الواقع الذى نعيشه اليوم حيث تبدو الهند كصاروخ مستعد للانطلاق نحو مستقبل أفضل طبقا لتقديرات العديد من بنوك الاستثمار العالمية، حتى أن بنك مورجان ستانلى أطلق على العقد القادم اسم «عقد الهند». فما الذى وضع الهند فى هذه المكانة بعد أن عانت من نفس الظروف المريرة التى عانت منها معظم أو كل الدول النامية خلال السنوات القليلة الماضية. بل كانت من أكثر الدول تأثرا بتلك الظروف بحكم أنها تستورد الكثير من السلع الاستراتيجية؛ مثل البترول.
أولا: تركيز الهند على تصدير العمالة عن طريق الـoffshoring. بالنسبة لدولة مثل الهند أقامت منذ سنوات بنية أساسية قوية، وقامت بانتهاج سياسات من شأنها رفع القدرات البشرية وتحسين المهارات المهنية لمواطنيها؛ مثل إجادة اللغات واستخدامات الكمبيوتر، لتكون اللاعب الأكبر فى العالم فى هذا المجال. ثم جاء فيروس الكوفيد كفرصة لا مثيل لها حيث إن تحول شركات كثيرة لنموذج العمل عن بعد أعطى هذه الشركات فرصة أن تستبدل نسبة من موظفيها بموظفين من الهند فى نفس مستوى الكفاءة والإنتاجية ولكن بتكلفة أقل. ثم جاءت الآن أزمة سوق العمل فى عدة دول غربية كفرصة إضافية لزيادة الدخل القومى من هذه الخدمة الهامة.
ثانيا: تأجج الصراع الغربى الصينى وبالأخص مع الولايات المتحدة معناه أن تقوم العديد من الشركات التى تنتج فى الصين بغرض التصدير إلى هذه الدول بنقل مصانعها إلى دول جديدة. وقد سارعت الهند لانتهاز هذه الفرصة الكبيرة بتحرك حكومى مكثف مدعوم بقطاع خاص قوى، ولذلك نتوقع أن تتضاعف معدلات التصدير من الهند خلال سنوات قليلة. الهند فى طريقها لتصبح الدولة الأكثر تعدادا فى العالم وهم يرون القطاع الصناعى قطاعا حيويا يترجم هذه الزيادة السكانية إلى زيادة فى الناتج المحلى، أى أنه فى هذه الحالة تتحول الزيادة السكانية إلى قوة دافعة بدلا من أن تكون عبئا ثقيلا على المجتمع.
ثالثا: يعتبر التحول إلى الطاقة الجديدة والمتجددة فرصة للهند لتتخلص من أثقل الأعباء المالية على موازنتها، وهى استيراد الطاقة وخاصة البترول. وترى الهند أن التركيز على هذا التحول من شأنه أن يجعلها بمثابة رائدة عالمية فى هذه الصناعة التى من المتوقع أن تكون أهم القطاعات نموا فى العالم فى العقود القادمة. نجاح الهند فى هذا المسعى معناه ضمان معدل نمو قوى لعقود قادمة وليس فقط لعقد واحد فقط، حيث من شأنه أن يتيح ميزة تنافسية للشركات الهندية يمكنها من المنافسة على مستوى عالمى فى العديد من القطاعات الأخرى.
أخيرا وليس آخرا فنجاح الهند فى التحول الرقمى يعطى درسا لجميع الدول النامية فى كيفية تطبيق هذا التحول وكذلك فوائده المتعددة من تسهيل بيئة الأعمال، وما ينتج عن ذلك من سهولة إنتاج إحصاءات دقيقة تساعد على فهم طبيعة السوق وإدراك الفرص المتاحة فيه.
نشر بيل جيتس مؤخرا مقالا طويلا على صفحات التواصل الاجتماعى الخاصة به وخاصة على منصة Linkedin تحدث فيه عن انبهاره بعدد من الإنجازات الهندية فى مجالات كثيرة فى الفترة الأخيرة وذلك بعد زيارة قام بها مؤخرا. لذلك ففى خضم المتاعب المخيفة التى تتعرض لها الدول النامية، فإن ما جاء فى هذا المقال عن الإنجازات الهندية بالإضافة إلى التقديرات الإيجابية التى تتردد منذ شهور من بعض المؤسسات العالمية المهمة عن الأداء الاقتصادى الهندى يجعلنا نقول بالفم المليان: يارب نبقى هنود!