الوقت المناسب لشهادة الحق
ريم سعد
آخر تحديث:
الأحد 31 مايو 2015 - 8:35 ص
بتوقيت القاهرة
وقت أن كانت الناشطة ماهينور المصرى تقضى فترة حبسها بسجن الأبعادية بتهمة خرق قانون التظاهر نقلت عنها شقيقتها ميسون فى أثناء زيارتها لها أن «مفيش حاجة متعبة أو مزعجة فى السجن إلا الوقت اللى بيكون فيه تنفيذ لحكم إعدام وأن اللحظات اللى قبل تنفيذ الحكم بتكون لحظات ثقيلة قوى على كل اللى فى السجن، صريخ وعياط ودعوات لشخص بيتجرجر وهو عارف إنه رايح للموت..» وأضافت ميسون إن «آخر سجينة اتنفذ فيها حكم إعدام ماهى بتقولى إنها كانت قاتلة شخص دفاعا عن النفس بس الأدلة ماكنتش كافية، الست وهى بيخدوها كانت هادية جدا ما بتصرخش ولا تعيطش وكانت متعاملة إنه قضاء وقدر بس كل السجينات التانيين اللى فى المخصوص اللى مستنين تنفيذ أحكامهم كانوا بيولولوا عليها كإنها فى ميتم، وماهينور قالتلى أنها كانت حاسة بوجع شديد وهى بتتخيل احساس الست اللى سامعة الولولة عليها قبل ما تموت.. ماهى طلبت منى التأكيد على أهمية حملة ضد الإعدام لأنه حكم صعب جدا وفى أحيان كتير بيتنفذ على ناس ما تستاهلش تموت بالشكل ده» (جريدة البداية ــ 11سبتمبر 2014).
شهدت ماهينور ثلاث حالات إعدام خلال الشهور الأربعة الأولى من حبسها لسيدات عرفتهن عن قرب كبشر من لحم ودم وسمعت قصصهن المؤلمة ونقلت لنا جانبا منها. ليس سهلا معرفة أعداد عمليات تنفيذ الإعدام فى القضايا الجنائية لكن شهادات مثل شهادة ماهينور تخبرنا بأن العدد فى ازدياد وهو أمر مخيف خصوصا مع تساقط الضمانات القليلة التى كانت ربما فى السابق تحيط بحكم الإعدام وهو الحكم الجلل الذى يستحيل معه تدارك الخطأ. والفئات الأضعف كالفقراء والسيدات هى الأكثر عرضة للظلم ــ لا محامى ولا سطوة ولا أحد مهتم من أصله. يكتفى الرأى العام بما تلقمه له الآلة الإعلامية عن بشاعة جريمة ما فلا يدقق إن كان المتهم المساق إلى حبل المشنقة هو بالفعل من ارتكبها.
•••
اختطف إسلام عطيتو من كليته بعد أداء الامتحان ثم وجد مقتولا مع تصريح لوزارة الداخلية أنه إرهابى تم قتله فى تبادل إطلاق نار بعد ضبطه فى أحد الأوكار. تصدى اتحاد طلبة كلية الهندسة بجامعة عين شمس وفضح القصة ثم تقدم الدكتور محمد حسن سليمان وقام بتسليم ورقة امتحان إسلام للنيابة لإثبات كذب تلك الرواية. ربما لو لم يتكلم هؤلاء الشرفاء الشجعان لتحول إسلام إلى مجرد رقم فى خبر عن «تصفية تكفيريين» أو إلى متهم فى عملية إرهابية وانتهى به الأمر إلى طابور الإعدام وسط تهليل الجماهير التى روعتها العملية الإرهابية فعميت أعينها وشل تفكيرها ولم تسأل أية أسئلة بل اكتفت برواية الداخلية والآلة الإعلامية بلا تدقيق أو تشكيك. شهادة الحق ليست فقط فى مضمونها ولكن أيضا فى توقيتها. لم ينتظر اتحاد الطلبة لحظة لفضح الظلم والتلفيق فقطع بذلك الطريق على القصة المزيفة أن تأخذ مجراها المألوف.
إسلام قُتل على أية حال ولكن أملنا أن حياته لم تذهب هدرا وأن يجعلنا ما عرفناه عن ملابسات قصة مقتله نتردد ولو قليلا فى التهليل مع كل خبر تصفية تكفيرى أو تنفيذ حكم إعدام بمتهم فى عملية إرهابية.
•••
أسفت للخبر المنشور بجريدة «الشروق» بتاريخ 28 مايو 2015 والذى جاء فيه أن السيد عبدالغفار شكر نائب رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان تراجع عن مبادرته بوقف تنفيذ أحكام الإعدام التى صدرت من القضاء أخيرا لمدة 3 سنوات بهدف تخفيف حالة الاحتقان التى تشهدها البلاد وذلك حسب ما جاء بحديثه لجريدة «الشروق» بتاريخ 23 مايو 2015. وهى الفكرة التى طرحها أيضا السيد جورج إسحق عضو المجلس فى برنامج العاشرة مساء بتاريخ 25 مايو 2015. فرغم تحفظى على بعض جوانب المبادرة وعلى رأسها أنها اقتصرت على قضايا الإعدام الصادرة أخيرا ضد قيادات الإخوان ولم تتطرق إلى المحكوم عليهم فى قضايا جنائية إلا أنها كانت خطوة جيدة وتمثل أول اشتباك جاد مع قضية عقوبة الإعدام من طرف المجلس القومى لحقوق الإنسان على لسان اثنين من أبرز أعضائه، وهى تمثل نقلة نوعية فى تعامل المجلس مع قضية عقوبة الإعدام والتى دارت تصريحات أعضائه على أحسن الفروض حول فكرة أن الوقت غير مناسب لطرح النقاش حول هذا الموضوع. ويذكر أن مبادرة السيد شكر تتماشى مع مبادرة خمس سنوات بلا إعدام التى طرحتها مجموعة «ضد الإعدام» التى أنتمى إليها فى بيانها بتاريخ 19 مايو 2015 والتى طالبت فيه بالوقف الفورى لتنفيذ جميع أحكام لمدة خمس سنوات على الأقل حتى نطمئن بشكل كامل إلى استقامة سير العدالة فى كل خطواتها وإلى أن يأخذ المجتمع فرصته لمناقشة هذه القضية بشكل مفتوح وجاد.
أرجو أن يعيد السيد عبدالغفار شكر النظر فى تراجعه عن المبادرة. يبدو أن صعوبة اللحظة خاصة مع حالة العنف غير المسبوق الذى تشهده البلاد تدفع بالمجتمع إلى النظر لتلك العقوبة وكأنها الحل السحرى لاستئصال العنف من جذوره والشرور من منابعها على عكس الحقيقة حيث لا يؤدى التوسع فى استخدام تلك العقوبة سوى لمزيد من الاحتقان والعنف وتوالد الثأر والثأر المضاد. لكن بقدر صعوبة اللحظة بقدر أهميتها القصوى للاشتباك الجاد مع قضية الإعدام، فحالة الغضب وفورة الحماس التى تمنع غالبية الناس من المناقشة الهادئة هى نفسها التى تجعلهم فى حالة طلب على المزيد من الإعدامات والتى ستدفعهم إلى مباركة أى تنفيذ إعدام جديد.
•••
ليس هناك أنسب من هذه اللحظة الصعبة للاشتباك مع القضايا الصعبة، والوقت المناسب لكلمة الحق هو دائما الآن وحينما توجد أرواح على المحك فالوقت المناسب هو دائما الآن.. فورا.