كيف يطرق الإبداع الأدبى النسائى أبواب المدارس؟
صحافة عربية
آخر تحديث:
الثلاثاء 31 مايو 2016 - 10:10 م
بتوقيت القاهرة
حين كنت على مقاعد الدراسة، وكان الأدب بكل ما فيه من جماليات يشدنى إليه، كنت أتحمس لقراءة كل ما يحتويه المنهاج الدراسى فى ذلك الحين من أعمال أدبية رائعة تشبع نهمى للقراءة وحبى للاطلاع. لكننى على الرغم من ذلك، كنت أشعر بذكورية الكلمة لدى كبار الكُتاب والأدباء والشعراء والفلاسفة.
فى ذلك الوقت، كنت مثل أى فتاة عربية شابة، متعطشة لكتابات أنثوية تتناغم مع طبيعتى، وحينما كنت أقرأ لكاتبات نادرات روايات عظيمة مثل روايات الأخوات برونتى وأعمالا أدبية غربية أخرى، كنت أشعر بداخلى بعدم الاكتفاء وكأننى غير راضية تماما عما أقرأ، مع أننى كنت أرشف من المداد الذى كتبت به تلك الروايات قطرة قطرة!
فى الواقع كنت فى شوق جامح للانصهار فى عمل نسائى قريب منى متآلف مع حياتى وأسلوب معيشتى العربى، ولا أنكر أننى حينما كنت أقرأ روايات عبقرية مثل «جين إير» لتشارلوت برونتى، أو «مرتفعات ويذرنغ» لإيميلى برونتى، كنت أبحث عن شيء يربطنى بالكاتبات أو بأبطال الرواية، كنت أبحث عن قواسم مشتركة بينى وبينهم، فإلى جانب البيئة الاجتماعية المختلفة كان هناك انعكاس للقيود الثقافية التى أثرت فى الأعمال الأدبية مع مطلع القرن التاسع عشر فى بريطانيا.
كنت أبحث، ومن غير أن أدرى، عن محيط عربى أصيل بكل ما فيه من خلفيات سياسية ونضالات وثورات، كنت أبحث عن أبطال سُمر لوحت بشرتهم شمس الصحراء الحارقة، كنت أبحث عن بيوتنا وساحاتنا، عن عاداتنا وتقاليدنا.
***
لقد شكَّل ذلك التعطش للفكر الأنثوى أول صدمة لى وأنا بعد طالبة، فرحت أبحث بين الكتب المكدسة على رفوف مكتبة المدرسة عن ذلك الفكر، عن أسماء لم يتضمنها منهاج الدراسة ولم يأبه بها النظام التعليمى.
كبرت، وأدركت مدى الجفاف الذى تعانيه أنظمتنا التعليمية، وأتخيل نفسى اليوم كمن يبحث فى أكوام من الورق عن أوراق تحمل أسماء عقول عربية نسائية غير تلك التى عرفتها أثناء رحلتى مع الأدب، فما زلت أبحث عن المزيد علنى أرتوى بعد ذلك العطش الذى كنت أشعر به أيام الدراسة.
لقد تغير الزمن، وكثرت الكتابات الأنثوية العربية، فهناك كاتبات وأديبات عربيات لمعت أسماؤهن فى سماء الأدب، وقد أدَّين أدوارا مهمة على المسرحيين العربيين السياسى والفلسفى، لكن كثيرا من الشباب لم يقرأوا لهؤلاء الأديبات ولم يصلهم صوت يتلهفون لسماعه فى عالمهم. لذا لا بد من طريقة تجعلهم على احتكاك بالكلمة النسائية المؤثرة.
***
لقد قدّمت الإمارات العربية المتحدة للمرأة ما لم تقدمه دول أخرى كثيرة فى المنطقة، ليس على الساحة الأدبية فقط، إنما أيضا فى قطاعات أخرى كثيرة. ومع التطور العظيم الذى شهدته وتشهده دولتنا التى تحولت إلى مركز للمفكرين والمبدعين، حظيت المرأة الإماراتية بفرص تحسدها عليها نساء كثيرات فى العالم العربى. مع ذلك، أرى أن هذا ليس كافيا، فنحن فى حاجة إلى تغيير أسلوبنا فى التفكير، فالفرصة وحدها لا تكفى ما لم تعرف الفتاة الإماراتية أن عليها التسلح بالثقافة والمعرفة.
وليس على جيل الشباب أن يدرك أن الفرصة حين تمنح للمرأة تساعدها على عمل أى شىء تطمح إليه فقط بل من الضرورى أن يكون لديه مفهوم عن تلك العقلية التى غيرت العالم وأوصلتها إلى هذه القمم.
لأجل ذلك، علينا أن ندع الحرية للشباب ليعبروا عن آرائهم، فينتقدوا ويحللوا، علينا أن نعلمهم الفرق بين الشعر والرواية، علينا أن نعلمهم اللغة على أصولها، وندعم ذلك بشواهد حية من النماذج النسائية التى تقدم أعمالا إيجابية ليتسلحوا بها أمام سيل الكليشيهات التى تعرض على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعى.
طلبة المدارس والجامعات، يتأثرون كثيرا بما حولهم وبمن حولهم وكذلك بكل ما يقدم لهم، فلندعهم يتعرفون إلى المرأة العربية المثقفة عن كثب ليقرأوا لها ويستمعوا إلى محاضراتها، ولا أخص الطالبات فى هذا الأمر، بل على الطلاب أيضا أن يستمعوا لصوت المرأة العربية الناجحة، فنحن نبنى جيلا يؤمن بالمساواة بين الجنسين، وحين يكبر الفتى يجد نفسه فى منافسة مهنية مع الفتاة أشد من تلك المنافسة التى عرفها فى المدرسة أو الجامعة.
وكما يمكن أن نعرِّف بناتنا بالأديبات والمفكرات البارعات فى دولتنا وفى العالم العربى، يمكننا أن نعرِّف فتياننا بأولئك المحاربات والمناضلات اللاتى أطلقن صوتا مميزا من رئتى العذاب والمعاناة والقهر حتى تخلق هذه المنافسات تفاعلا كبيرا بين الجنسين وتعمل على تعزيز الاحترام الذى يعود بالفائدة على المجتمع.
على شبابنا أن يقرأوا لنساء عربيات استطعن أن يفككن قيود الصمت ويخرجن على العالم بعد سنوات بصوت منبعث من عناء الاضطهاد والظلم، صوت مبدع لا يماثله صوت ذكورى مهما عظم.