الكثير من ممارسات السلطة الحاكمة فى مصر تدفع بالبلاد من مرحلة «شبه دولة»، كما وصفها الرئيس عبدالفتاح السيسى، إلى مرحلة «اللا دولة» حيث لا تلتزم السلطة بأذرعها المختلفة بالدستور ولا بالقوانين حتى لو كان قانون الطوارئ.
فقد استيقظنا قبل أيام على حجب مجموعة من مواقع الإنترنت الإخبارية وبينها مواقع حاصلة على كل التراخيص الرسمية لممارسة نشاطها مثل «المصريون» و«مصر العربية» و«البورصة» و«محيط» دون قرار رسمى يمكن الطعن عليه وحتى دون أن يعرف القائمون على أمر هذه المواقع الجهة التى قررت ونفذت الحجب حتى يمكن الرجوع إليها لمعرفة ملاحظاتها على أداء هذه المواقع وربما تلافيها.
بداية، فإن مجرد اختفاء الجهة المسئولة عن اتخاذ قرار الحجب وتنفيذه، بل وتهرب كل الجهات المعنية من المسئولية عن هذه الخطوة، يعنى إدراكها أن ما حدث هو انتهاك للقوانين والدستور فى البلاد وأنها لا تملك أى تبرير مقبول لحجب مواقع مصرية تعمل على أرض مصر وبتراخيص حكومية.
إذن نحن أمام جريمة متعددة الجوانب وخطيئة مكتملة الأركان. فمن ناحية يمثل حجب مواقع مرخصة وقانونية دون قرار رسمى ومعلن اعتداء على الملكية الخاصة، باعتبار هذه المواقع مملوكة لأصحابها والمساهمين فيها. كما أن حجب هذه المواقع دون قرار رسمى ومعلن يمكن الطعن عليه، هو حرمان للمواطن من حقه فى اللجوء إلى القضاء لرد عدوان السلطة التنفيذية عليه.
كما أن هذه الطريقة فى حجب المواقع تنتهك القانون رقم 162 لسنة 1958 المعروف باسم قانون الطوارئ والذى تقضى مادته الثالثة بأنه «لرئيس الجمهورية متى أعلنت حالة الطوارئ أن يتخذ بأمر كتابى أو شفهى.. الأمر بمراقبة الرسائل أيا كان نوعها ومراقبة الصحف والنشرات والمطبوعات والمحررات والرسوم وكل وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها وضبطها ومصادرتها وإغلاق أماكن طباعتها» ونحن لم نجد أمرا رئاسيا معلنا سواء كان شفهيا أو مكتوبا بحجب هذه المواقع.
أيضا الطريقة التى تم بها حجب المواقع، تنتهك المادة 49 من قانون مكافحة الإرهاب التى تقضى بأنه «للنيابة العامة أو سلطة التحقيق المختصة وقف المواقع المنصوص عليها فى الفقرة الأولى من المادة 29 من هذا القانون أو حجبها أو حجب ما يتضمنه أى وجه من أوجه الاستخدام المنصوص عليها فى هذه المادة والتحفظ على الأجهزة والمعدات المستخدمة فى الجريمة.
ثم إن من قرر ونفذ قرار حجب المواقع المصرية، اعتدى عدوانا غير مقبول على «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» الذى خوله القانون رقم 92 لسنة 2016 سلطة تنظيم عمل وسائل الإعلام فى مصر وضمان التزامها بمقتضيات الأمن القومى والتصدى لأى مخالفات ترتكبها هذه الوسائل.
يعنى هذا أن حجب المواقع دون الرجوع إلى المجلس المخول بضمان «حسن سير وسلوك» المنظومة الإعلامية على أرض مصر ينطوى على إهانة كبيرة له، لا يجب أن تمر إلا إذا كان هناك توافق على أننا انتقلنا من «شبه الدولة» إلى «اللا دولة» حيث تأتى القرارات فلا نعرف من أين تأتى ولا كيف تم تنفيذها، دون أدنى اعتبار للمؤسسات الرسمية وما منحها القانون من صلاحيات أو سلطات.