«روائع الأدب العالمى».. مغارة الروايات العجيبة!
إيهاب الملاح
آخر تحديث:
الجمعة 31 مايو 2019 - 8:05 م
بتوقيت القاهرة
.. وأستأنف الحديث عن «روائع الأدب العالمى للناشئين» التى كانت واحدة من السلاسل الممتازة الرائعة التى ظهرت فى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى، وكانت تقدم لى ولأبناء جيلى، آنذاك، ما قدمته سلسلة (كتابى) للمرحوم حلمى مراد لأكثر من نصف القرن!
كنت صغيرًا، فى نهاية المرحلة الابتدائية أو أولى إعدادى، على الأكثر، حينما وقعتُ على عددٍ من أعدادها (ربما كان «مون فليت» أو «مغامرات هكلبرى فن».. لا أذكر بالدقة!) وكنت كمن دخل مغارة على بابا السحرية ووجد فيها الياقوت والمرجان والزبرجد، وكل نعم الله من المجوهرات والنفائس التى لا تقدر بمال!
انفتحت أمامى مغارة الروايات العجيبة، وكانت المرة الأولى التى أقرأ فيها باستمتاع «مزرعة الحيوان» لجورج أورويل، وأتابع بشغف ذهبى ما فعلته الحيوانات الثائرة لئلا يعود السيد جونز صاحب المزرعة المطرود، أكاد أبكى وأنا أرى ما فعلته الخنازير وهى تستبد بحكم المزرعة، وبعد أن تسببوا فى موت الحصان العجوز الطيب (لم يكن فى ذهنى على الإطلاق أى إسقاطات أو معانٍ أو دلالات مما أدركته بعد ذلك، وبعد أن قرأت الرواية كاملة فى ثلاث ترجمات عربية على الأقل).
تذكرتُ الآن هذه السلسلة، وأنا أشاهدُ كثيرًا من الشباب تَخطَوا العشرين من عمرهم، ولم يسمع الواحد منهم بـ«حكاية مدينتين» أو «دافيد كوبر فيلد» أو «أوقات عصيبة» أو «آمال كبرى» لرائد الرواية الإنجليزية تشارلز ديكنز، ومنهم من يدعى أنه كاتب وأخرج بدل الرواية ثلاث وأربع وهو لم يطالع مثلا «الأرض الطيبة» لبيرل بك، أو «سجين زندا» لروبرت أوف هنتزو، أو «بعيدا عن الناس» لتوماس هاردى، وغيرها من روائع وكلاسيكيات الآداب العالمية، رغم وجود العشرات من الطبعات والسلاسل فى مصر والعالم العربى، التى طبعت هذه الأعمال عشرات المرات..
السؤال إذن: أين تكمن القيمة الحقيقية لمثل هذه السلسلة الفذة؟ وما الذى أدته بالضبط؟
ببساطة، كانت غاية هذه السلسلة (وكان يقوم بترجمتها ومهمة تبسيط أعمالها رجال ومترجمون عظام من عيّنة محمد العزب موسى، ومختار السويفى، وصبرى أبو الفضل، والشريف خاطر، وعبدالحميد فهمى الجمال، ومى التلمسانى، وآخرين)، جذب الناشئة والشباب من أيسر طريق وأمتعه إلى قراءة روائع الآداب العالمية وكلاسيكيات الأعمال الروائية والقصصية فى طبعات مبسطة، ميسرة، بسعر زهيد، تهيئهم أولًا للإقبال على قراءة أعمال أدبية وقصص عالمية بأسلوب سهل يخلو من التعقيد ويحافظ على عنصرى التشويق والإثارة، وثانيا التمهيد لقراءة هذه الأعمال كاملة، فى ما بعد، فى ترجماتها العربية الكاملة.
وأظن أنها حققت ما تغيته من أهداف بامتياز وجدارة.
كانت هذه المرحلة (ما بين العاشرة والسادسة عشرة) خطوة فارقة وحاسمة فى تهيئتى للانتقال من قراءة الكتب الخفيفة إلى قراءة الأعمال الأدبية الكبرى فى طبعاتها الكاملة، وترجماتها الشهيرة، وبسبب هذه السلسلة الجليلة قرأت النصوص الكاملة لعيون الرواية العالمية فى سن مبكرة نوعًا، وتأسست معرفة أولى «معقولة» بفن الرواية فى تجلياتها العالمية، ومن خلال نماذجها المكتملة (الكلاسيكية)، وأظن أنه لولا هذه السلسلة والدور العظيم الذى لعبته ما كان تهيأ لى ولا لأبناء جيلى التعرف على أعمال من عينة: «إيفانهو» للبريطانى سير والتر سكوت (رائد الرواية التاريخية الرومانسية فى القرن التاسع عشر)، «جين إير» لشارلوت برونتى، «مرتفعات ويذرنج» لإميلى برونتى، «مون ستون» لويكلى كولينز، «عائلة من سويسرا» ليوهان فايس، «توم جونز» لهنرى فيلدنج، «آنا كارنينا» لتولستوى، «أرواح شريرة» هنرى جيمس، «عناقيد الغضب» و«لؤلؤة» لجون شتاينبك، «صورة دوريان جراى» لأوسكار وايلد، «أوليفر تويست» لتشارلز ديكنز، «عالم رائع جديد» لألدوس هكسلى، «مون فليت» لـ ج. ميد فوكنر.. وغيرها كثير.
بفضل هذه السلسلة جاءت اللحظة الناعمة الخاطفة التى ينتقل الواحدُ منا فيها، من هذا العالم الجميل البرىء الخالى من المنغصات والتفكير العميق فى ما نقرأ إلى «دهشة» التعرف الحقيقية على إبداعات الإنسان، عبر الزمان والمكان، لا يدرك المرء أنه خطا الخطوة الأولى فى رحلة التذوق والإدراك الجمالى للإبداعات المختلفة، لكنه فى كل الأحوال يكون قد اجتاز الخط الفاصل من مجال التسلية وإمضاء الوقت إلى البحث عن المتعة المبررة والمعرفة الجمالية والوعى الذى لن يعود إلى النقطة التى كان عليها وانطلق منها أبدًا.