التحدى الحقيقى للأحزاب المصرية
زياد بهاء الدين
آخر تحديث:
الإثنين 31 يوليه 2017 - 8:50 م
بتوقيت القاهرة
المعتاد فى بلدان العالم التى استقر فيها العمل السياسى أن تتصارع الأحزاب على كسب تأييد الجمهور وفقا للأفكار والبرامج التى تعتنقها، فيكون تنافسا بين اليمين واليسار، أو المحافظين والليبراليين، أو دعاة العولمة والمناهضين لها، وهكذا. ولكن فى الحالة المصرية فإننا نخطئ إذا اعتقدنا أن هناك صراعا وتنافسا بين الأحزاب لأن الواقع أن التحدى الحقيقى الذى يواجه هذه الأحزاب جميعا هو إعادة الاعتبار والتقدير للعمل الحزبى برمته بعد أن فقد الكثير من مصداقيته.
بعد فورة تأسيس الأحزاب والتنافس بينها التى أعقبت ثورة يناير، انحسر دور الاحزاب تدريجيا حتى لم يعد لها أثر حقيقى على الساحة، ولم يعد ينشغل بمتابعة أخبارها والبيانات التى تصدرها سوى أعضائها وبعض المتابعين المتخصصين، بل صار العمل الحزبى لدى قطاعات واسعة من المجتمع مرادفا للبحث عن الأضواء والسعى وراء الشهرة واحتراف المعارضة والاحتجاج. وهذا وضع مؤسف لأن للأحزاب دور مهم فى التعبير عن المصالح المتنازعة فى المجتمع، وتنظيم المشاركة السياسية بشكل قانونى، ومراقبة أداء أجهزة الدولة، وحماية القانون والدستور، وفتح مجال المنافسة المشروعة على السلطة. وبغير الأحزاب فإن المجتمع يفقد قدرته على التجديد والتصحيح والاستفادة من التعدد بداخله، ويدفع طاقات الشباب المتحمس نحو اليأس أو البحث عن وطن بديل أو الانخراط فى التنظيمات السرية.
ولكن لماذا انحسر العمل الحزبى فى مصر على هذا النحو؟
الإجابة السهلة هى إلقاء التبعة على المناخ المقيد للحريات، بما فى ذلك التضييق على الاعلام المستقل وعلى المجتمع المدنى وعلى النشاط السياسى بوجه عام. وهذه كلها اعتبارات حقيقية وقد ساهمت بلا شك فى انحسار العمل الحزبى. ولكن الاكتفاء بهذا التفسير وحده ليس كافيا ولا صادقا لأن العمل الحزبى المرتبط بقضايا الوطن ومشاكل الجماهير لا ينتظر أن يكون المناخ مواتيا والظروف ميسرة، بل يشتبك مع هذه الظروف ويجتهد لتغييرها ويفرض نفسه عليها. وقد عرف العالم عشرات التجارب الحزبية التى غيرت مجرى التاريخ برغم أنها كانت محاطة بمناخ سياسى شديد التقييد.
والقول بأن السبب هو كثرة الأحزاب وعدم اندماج تلك التى تنتمى لذات التيار فى حزب واحد كبير يصطدم بحقيقة أن هذا التفرق والتشرذم نتيجة لضعف الأحزاب وقلة عدد أعضائها وعدم اكتراث الجماهير بما تقدمه وليس سببا. ولو كانت الأحزاب قوية ومؤثرة وجاذبة للجماهير لكان طبيعيا أن تندمج وتتحالف أو على الأقل تتعاون بضغط أنصارها ومؤيديها.
نحن بحاجة للنظر إلى تجربتنا الحزبية فى السنوات الأخيرة بعين ناقدة واستعداد للاعتراف بالأخطاء كى نتعلم منها الدروس السليمة، وعلى رأسها أن العمل الحزبى إن لم يعبر عن مشاعر الناس ومخاوفهم وطموحاتهم فلابد أن ينحسر ويتراجع. اخفاقنا الحقيقى فى السنوات الماضية لم يكن خسارة بعض المقاعد البرلمانية ولا غلق المقار الحزبية، بل العجز عن إقناع الرأى العام بجدوى العمل الحزبى وبأهمية الأحزاب. وهذا فى تقديرى كان نتيجة عدم الاهتمام بالقيادات السياسية المحلية التى يفترض أن تكون العمود الفقرى لأى حزب، وإهمال القضايا الاقتصادية والاجتماعية على حساب الملفات السياسية الساخنة، وعدم الاستعداد للبناء التدريجى والمؤسسى للأحزاب. وليكن واضحا أننى لا أقول ما سبق من منظور المراقب المحايد الذى يكتفى بالتحليل والنقد، أو يتشفى فى أحوال الأحزاب ويسعد بتراجعها، بل باعتبارى ممن شاركوا فى تلك التجربة الحزبية حتى وقت قريب وشهدوا صعودها وانحسارها بعدما عجزت عن التواصل مع الجماهير والتعبير عنها.
ومع ذلك فإن هذه ليست نهاية المطاف، بل لعل هذا الانحسار يكون نقطة بداية جديدة، تسمح لجيل جديد من المهتمين بالشأن العام بالمحاولة مرة أخرى دون التقيد بالتجارب السابقة التى تعثرت، ولا بالضغائن والحسابات التى سيطرت عليها وجعلتها تفقد البوصلة السليمة ومعها ثقة الناس وتقديرهم للعمل الحزبى.
مصر بحاجة لحياة حزبية نشيطة، بحاجة لحزب حاكم يقدم برامجه وسياساته ويدافع عنها ويتحمل مسئوليتها، وبحاجة لأحزاب معارضة تقدم بدائل وتساهم فى ايجاد الحلول وتدافع عن حقوق الناس وعن دولة القانون والدستور. ولكن كى يتحقق أى من هذا فلابد من إعادة النظر فى التجارب السابقة والعمل على إعادة ثقة الناس بأهمية الأحزاب والعمل الحزبى بدلا من التنافس على نصيب كل حزب من كعكة صغرت حتى كادت أن تتلاشى.