المهارات الناعمة

أمل أبو ستة
أمل أبو ستة

آخر تحديث: الإثنين 31 يوليه 2017 - 8:50 م بتوقيت القاهرة

إحدى أهم المشكلات التى تواجهنا فى التعليم الجامعى هو عدم استعداد خريجيها لسوق العمل. يتخرج الطالب فيجد نفسه فى حاجة إلى سلسلة من الكورسات حتى يتمكن من تأهيل نفسه لوظيفة مناسبة. ويتنافس الخريجون على التقدم لوظائف فيفاجأ صاحب العمل بطوفان من الشباب غير المؤهلين برغم شهاداتهم، ويصبح أمامه إما أن يرفض توظيفهم أو أن يقبل بهم ويخضعهم لبرنامج تدريبى طويل.
وبغض النظر عن غياب الجودة عن كثير من أوجه التعليم فى مصر، فإن من أهم أسباب عدم جاهزية خريجينا هو أولا؛ بُعد ما يدرسونه عن متطلبات سوق العمل وغياب العلاقة ما بينه وبين الواقع، وعدم القدرة على مواكبة تطور أدوات واحتياجات سوق العمل، فالطالب يعانى من مشكلة فى صعوبة الربط بين ما يدرسه وبين الواقع المعاش، فيصبح من الصعب عليه الوقوف على أهمية ما يدرسه مما يؤثر على قدرته على التعلم. فطبقا للأبحاث فإن وجود الحافز هو أهم سبب لنجاح عملية التعلم، هذا بخلاف غياب الجدوى من تعلم بعض المحتوى أصلا أو كثير منه لعدم أهميته.
أما السبب الآخر، وهو ما أريد أن أوليه اهتمامى فى هذا المقال فهو عدم الاهتمام بتنمية المهارات الأساسية المطلوبة فى معظم المجالات فى العالم اليوم من أجل تهيئة فرد قادر على التعاطى مع العالم الواقعى خارج أسوار الجامعة.
فالتمكن من مهارات مثل الإلقاء والتواصل مثلا لم يعد على سبيل الرفاهية. فالعالم اليوم لا يريد المهندس المتمكن من أدواته تقنيا فقط، ولكنه يريده أن يكون قادرا على المشاركة الفعالة عن طريق القدرة على عرض أفكاره والتواصل بشأنها مع زملائه ورؤسائه ومرءوسيه. مهارة القدرة على الإقناع مثلا ليست مقتصرة على من يشتغلون بمجال المبيعات فقط، ولكن إن أردت إقناع صاحب العمل بجدوى أفكارك أو بجدوى تعيينك أنت شخصيا فعليك أن تكون متمكنا من أدوات الإقناع والتأثير. فقد يكون لديك أفضل الأفكار ولكنك لا تتقن عرضها بشكل مهنى ولا عرض جدواها.
***
مهارة أخرى كمهارة العمل ضمن فريق لا يتم الالتفات إليها كثيرا رغم أهميتها الكبرى للنجاح فى معظم المجالات. فالقدرة على فهم دورك كعضو فى فريق وما لك وما عليك وأهمية العمل ضمن فريق ومزايا وعيوب ذلك بالمقارنة بالعمل الفردى وكيفية التعامل مع الصدام وكيفية تطويع الأنواع المختلفة من البشر.. كلها مهارات يبحث عنها أصحاب العمل بمنكاش لتقديرهم لأهميتها الكبرى فى إنجاح أعمالهم.
مهارة حل المشكلات والتى يجب أن تكون فى لب العملية التعليمية نفسها لما تستلزمه من قدرة على التفكير النقدى والتحليل العلمى هى غائبة عن كثير من الممارسات التعليمية فى بلادنا، ولكنها فى نفس الوقت من أهم ما يبحث عنه أصحاب الأعمال فى موظفيهم. فصاحب العمل لا يريد الموظف الذى يأتى إليه بالمشكلات ليل نهار بل يريد الموظف القادر على حل المشكلة أو إيجاد حلول مختلفة وعرضها على صاحب العمل. فصاحب العمل لا يريد مجرد منفذ بل يريد عقولا تفكر معه وتثرى تجربته وتزيد من فرص نجاحه. هو يريد عقولا مبتكرة، عقولا لا تخشى المخاطرة المحسوبة والتفكير خارج الصندوق.
هذا بالإضافة إلى مهارات التوظيف نفسها بداية من القدرة على تحديد مسارك مرورا بالقدرة على البحث عن عمل وتحديد فرص مناسبة وصولا بالقدرة على كتابة سيرتك الذاتية والأداء الجيد فى مقابلات العمل. فقد عملت بالإدارة فى أكثر من مكان وكان التعيين من مهام وظيفتى وكنت أطلع على كثير من السير الذاتية التى بها من الأخطاء ما يتنافى مع البديهيات والتفكير السليم.
***
كل هذه، وغيرها، مهارات ليست مستحيلة ولا صعبة فى التعلم. هى فقط تتطلب وعيا من مصممى سياسات وأهداف ومناهج التعليم فى مدارسنا وجامعاتنا. تتطلب إدراكا لأهميتها القصوى لرفع كفاءة الخريج المصرى وإعطائه القدرة على المنافسة وبالتالى رفع الإنتاجية وتحسين جودة المنتجات والخدمات. كثير من تلك المهارات يتم الاهتمام بها فى كثير من الجامعات الخاصة والتى فى النهاية لا تخدم أكثر من 5% من الطلبة فى مصر. والاهتمام بتلك المهارات، وغيرها من المهارات الناعمة، هو أهم ما يميز خريجى تلك الجامعات، والذين ليسوا بالضرورة من أفضل الخريجين فى مجالاتهم من الناحية الفنية ولا الأكفأ أكاديميا، ولكن مثل هذه المهارات هى ما تميزهم وتسلحهم بأدوات لا غنى عنها فى سوق العمل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved