تسلا: عن التكنولوجيا
محمد الهوارى
آخر تحديث:
السبت 31 يوليه 2021 - 9:10 م
بتوقيت القاهرة
إذا ذكرت اسم تسلا فى أوائل القرن الواحد والعشرين، فالطبيعى أنك تقصد «نيقولا تسلا» أحد العباقرة فى التاريخ والذى يدعى البعض أنه المكتشف الحقيقى للكهرباء. ولكن تسلا كان بالتأكيد أحد أهم عباقرة العلم فى العالم خلال الفترة من أواخر القرن التاسع عشر إلى أوائل العشرين، وكان رائد إنتاج وتوزيع الكهرباء وكان من أوائل مبتكرى تطبيقاتها، أما اليوم فإذا أجريت بحثا عن هذا الاسم على محرك جوجل، فستكون نتائج البحث الأولى عن شركة تسلا للسيارات التى استلهمت اسمها من العالم العبقرى. وعند الحديث عن شركة تسلا يجب تناول محورين مهمين أولهما هو التكنولوجيا والثانى هو اقتصاد الشركة وقيمتها السوقية. يتناول هذا المقال الشق الأول وهو التكنولوجيا والشهر القادم إن شاء الله نتحدث عن الشركة.
الشهر الماضى خضت تجربة قيادة إحدى سيارات تسلا لأول مرة. كنت قد سمعت الكثير عن السيارات الكهربائية وعن مميزاتها وعيوبها وكذلك تحدثت مع عدد من ملاك السيارات الكهربائية فكان لدى فكرة معقولة عن التكنولوجيا ينقصها فقط التجربة العملية. والحقيقة أننى أعترف كرجل محب للسيارات ذات المحركات التقليدية أننى كنت أنظر بارتياب لهذه التكنولوجيا التى ستنتقص كثيرا مما تعودنا عليه من تجربة القيادة المعتادة؛ مثل صوت المحرك الذى يعتبره عشاق السيارات موسيقى، لدرجة أن بعض مصنعى سيارات السرعة لديهم متخصصون لضبط صوت محرك السيارة إلى الدرجة التى تداعب آذان عشاق تلك السيارات. أما السيارات الكهربائية فليس لها صوت، حتى إننى خلال تجربة القيادة لم يلحظ المشاة فى أحد الشوارع سيارتى رغم أننى أمضيت حوالى دقيقة وراءهم دون أن يلتفت أحد منهم. مدرب القيادة السويسرى قال لى إنها أحيانا تسبب مشاكل. مثلا فى اجتماع لمدربى القيادة فى مدينة زيوريخ مع جمعية فاقدى البصر اشتكى ممثلهم من السيارات الكهربائية. فاقد البصر هنا يقف على طرف الرصيف ويرفع عصاته وعلى السيارات التوقف أينما كانت لتسمح له بالمرور. أما كيف يعرف أن السيارات توقفت وأنه يستطيع المرور فهو بالتمرين على صوت موتور السيارة وهى متوقفة. فإذا كانت السيارة بلا صوت فكيف يعرف. استعمال الكلاكسون ليس مسموحا فى هذه الحالة لأسباب كثيرة منها أنك بذلك تقول للشخص إن الطريق جاهز للمرور ولكن كيف تعرف ذلك كقائد سيارة وأنت غير متحكم فى السيارات الأخرى. هى مسئولية قانونا ليس مسموحا لك بتحملها. هذا مثال لمشكلة بسيطة ولكنها تحتاج لحل. أما عن تجربة القيادة نفسها فهى ممتعة. سيارة بلا صوت وبلا اهتزاز للمحرك؛ حيث إن التكنولوجيا لا تعتمد على حقن الوقود الذى يسبب ما نسميه باللغة العامية الدارجة «نتشة الموتور»، السيارة ليس بها «تابلوه» معتاد ولكنها مجهزة بتابلت كبير يبين جميع البيانات. عندما توقفت فى إشارة مرور وجدت رسما كروكيا للشارع والسيارات التى حولى وعواميد الإشارة وألوانها. عند تحول الإشارة للأخضر مثلا يتحول اللون على اللوحة وتنبهك السيارة إذا لم تتحرك سريعا بعد تحول الإشارة للون الأخضر. سألت مدرب القيادة إذا كانت السيارة تستخدم القمر الصناعى للوصول لهذا الكروكى المفصل فقال لى إن الكمبيوتر فقط يحلل البيانات التى يحصل عليها من الكاميرات الكثيرة المثبتة فى جسم السيارة.
حتى اليوم قدت السيارة ما يزيد عن الساعتين وقلت لزوجتى بعد التجربة الأولى أننى صرت مؤمنا تماما أن المستقبل للسيارات الكهربائية وأن السيارات التقليدية التى نقودها الآن ستصبح ذكرى. فالسيارات الكهربائية أخف وزنا ولديها قدرة مرعبة على السرعة مع الحفاظ على سلاسة القيادة فى الوقت نفسه. وهى تحتاج لصيانة أقل من السيارة العادية وذلك لقلة أجزاء المحرك ونظافة التكنولوجيا التى لا تعتمد على الزيوت والشحوم البترولية وباقى هذه الملوثات. تعرضت السيارات الكهربائية إلى إشاعات كثيرة من بينها أنها أكثر عرضة للاشتعال الذاتى، وأنها قد تتعرض لهجوم الفئران لأنها تستخدم زيوتا أقرب لزيوت الطعام! لا أعلم مدى صحة هذه الإشاعات ولكن ما أعلمه أن شركات السيارات العالمية أصبحت كلها تتنافس فى مجال السيارات الكهربائية وأظنهم يرون الآن أنها بالتأكيد مستقبل صناعة السيارات، لذلك فكل هذه المشاكل ــ إن صحت ــ سيتم حلها بالتأكيد.
متى يحدث هذا التحول؟ هذا هو السؤال المهم. أعداد السيارات الكهربائية بمختلف أنواعها فى ازدياد مطرد ولكنى أرى أنها ما زال أمامها العديد من التحديات أهمها على الإطلاق هو البطاريات. فالسفر بسيارة كهربائية يحتاج إلى تخطيط جيد لشحن بطارية السيارة. شحن السيارة يتم بسرعة ما بين ٣٠ إلى ٤٠ كيلو فى الساعة. أى لشحن الطاقة القصوى لسيارة مدى بطاريتها حوالى ٥٠٠ كيلو، يحتاج الشخص حوالى نصف يوم من الشحن المتواصل. مقارنة بحوالى خمس دقائق لملء سيارة عادية بالبنزين أو الديزل. محطات الشحن أيضا ما زالت أقل انتشارا بكثير من محطات البنزين. بينما وصل مدى البطاريات لخمسمائة وحتى ستمائة كيلو فالأهم سيكون الوصول بفترة الشحن إلى خمس دقائق أو أكثر قليلا. إذا حدث ذلك وهو شديد الصعوبة، فمحطات الشحن فى هذه الحالة ستزيد بسرعة على حساب محطات البنزين وستصبح السيارات الكهربائية هى الغالبة. فى رأيى أن حل مشكلة البطاريات سيعنى اختفاء مفاجئا للسيارات العادية وغزو السيارات الكهربائية للسوق العالمية. ولكن كما أوضحت مسبقا، هى معضلة كبيرة ومعقدة وسيستغرق وقتا لحلها.