انتحار قط عجوز تحت قطار جمال مبارك
وائل قنديل
آخر تحديث:
الثلاثاء 31 أغسطس 2010 - 9:30 ص
بتوقيت القاهرة
لماذا قرر سعد الدين إبراهيم أن يقفز فى قطار التوريث فى هذا التوقيت بالذات؟ يقول إبراهيم العائد حديثا من منفاه الأمريكى فى ظروف ملتبسة «لو اعتبرتم توقيعى على إقرار بحق جمال فى الترشح تأييدا له سيكون هذا تزويرا خبيثا لموقفى» يريد صاحب مركز ابن خلدون أن يقنعنا بأن الموافقة على ترشح جمال مبارك شىء وتأييده شىء آخر.
وإذا تغاضينا أن هذا الموقف المستحدث من قبل سعد الدين إبراهيم يتناقض مع كل كتاباته وتصريحاته وصولاته وجولاته ضد النظام وضد التوريث فى الفترة الماضية، فإننا لا يمكن أن نتجاهل أن خطوته الأخيرة المباغتة ضربة فى الصميم لما توافقت عليه الجماعة الوطنية بأن مجرد ترشيح جمال مبارك لخلافة أبيه هى فكرة لا تليق ببلد بحجم مصر، وتنسف قيم النزاهة والعدالة والفرص المتساوية التى يزعم سعد أنه فى طليعة المدافعين عنها.
ذلك أن أى طفل فى مصر يدرك بالفطرة السليمة أن دخول ابن الرئيس السباق مدججا بجميع أدوات الدعم الحكومى، من إعلام وسياسات وسيطرة أمنية، يعنى انعدام التكافؤ فى قواعد اللعبة من الأساس، وبالتالى فإن ممارسة اللعبة وفقا لهذه القواعد يجعلها أقرب للمهزلة الأخلاقية منها لقيم التنافس الشريف.
يعلم سعد الدين إبراهيم أن جمال مبارك لا يتحرك فى مصر إلا وفى معيته حفنة وزراء ينهالون على الجماهير بتصريحات وردية ووعود بأنهار العسل واللبن التى ستتفجر فى مصر على يد الزعيم المنتظر.
وتذكرنى هذه الانعطافة الحادة من زعيم الخلدونيين فى مصر بعنوانين لاثنتين من أجمل الروايات العربية، الأولى للكاتب الفلسطينى الراحل إميل حبيبى «الوقائع الغريبة فى اختفاء سعيد أبى النحس المتسائل» ذلك أن مفاجأة سعد الدين إبراهيم تثير الأسئلة عن وقائع كمونه فى الولايات المتحدة كل هذه السنوات ثم عودته الغريبة فى وقائعها إلى القاهرة وسط ذهول الجميع.. أما الرواية الأخرى فهى «انتحار قط عجوز» للكاتب المصرى محمد المنسى قنديل، إذ تبدو هذه القفزة وكأنها لأسفل، إلى ما تحت عجلات قطار جمال مبارك وليس على ظهره فى المقاعد الأمامية.
يشرح سعد الدين إبراهيم قصة توقيعه بقوله إن أفرادا من حملة دعم جمال مبارك أتوه على حين غرة وقالوا له إنهم «خلدونيون قدامى» وسألوه إذا كان مع حق جمال مبارك فى الترشح فرد بالإيجاب، كما أن من حق الآخرين من المعارضين الترشح.
والموقف بضبابيته وغموضه يعيد إلى الأذهان الجدل الذى ثار حول ابن خلدون نفسه، مؤسس علم الاجتماع وصاحب المقدمة الشهيرة والذى اتخذه سعد الدين إبراهيم مثلا ونموذجا حتى أنه أطلق اسمه على مركزه الخاص للدراسات، ويدرك المبتدئون فى دراسة علم الاجتماع السياسى أن التاريخ حتى هذه اللحظة وبعد سبعة قرون من وفاته لا يستطيع أن يبرئ ابن خلدون من تهمة العمالة لقائد التتار «تيمور لنك» حين غزا الأخير دمشق وذبح أهلها الذين قاوموا السقوط فى القرن الرابع عشر الميلادى.
لا أحد يشكك فى قيمة ابن خلدون الفكرية وريادته فى علم التاريخ، لكن أحدا لم يسامحه على سقوطه الأخلاقى والإنسانى.. لم يطالبه أحد بمشاركة الشعب مقاومة الغزاة، فلماذا لم يلتزم الصمت.. وهذا أضعف الإيمان؟ ليته ما نطق!