ما جدوى كل هذه الترشيحات؟
جلال أمين
آخر تحديث:
السبت 31 أكتوبر 2009 - 9:11 ص
بتوقيت القاهرة
عندما سألنى صديق عزيز، هو أيضا ناشط سياسى مرموق، عما إذا كنت على استعداد لضم صوتى إلى أصوات أخرى ترشح الدكتور محمد البرادعى فى انتخابات رئاسة الجمهورية المقبلة، اعترانى استغراب، وحيرة فيما أقول. فالدكتور البرادعى رجل عظم بلا شك، وتتوافر له صفات مهمة من الصفات المرغوبة فى رئيس الجمهورية المقبل. ولكننى لم أسمع أن باب الترشيح لرئاسة الجمهورية قد فتح، أو أن الدكتور البرادعى نفسه صدر منه أى قول يدل على رغبته فى هذا الترشيح، فضلا عن أنه لم يعرف عنه أصلا، فى حدود علمى، أى نشاط سياسى داخل مصر، ولم يعرف كذلك، فى حدود علمى أيضا، ما نوع الأفكار السياسية التى يؤمن بها، ويرغب فى تطبيقها فى مصر.
ثم توالى ذكر أسماء كبيرة أخرى كمرشحين محتملين لرئاسة الجمهورية، مما ضاعف من دهشتى وتركنى فى حيرة شديدة. هل طلب منا أحد أن نذكر أسماء الأشخاص الذين نحب أن نرى واحدا منهم رئيسا للجمهورية؟ بل هل عبر أحد من هؤلاء عن رغبته فى ذلك؟ وعلى أى حال، هل الوضع الدستورى الحالى، بعد أن قام أصحاب الأمر والنهى فى مصر بتعديله منذ سنتين، يسمح بأن يرشح أحد إلا إذا كان عضوا فى حزب، وكان لهذا الحزب الذى يرشحه عدد من المقاعد فى المجلس لا يتمتع به الآن إلا الحزب الحاكم؟ فهل المقصود ياترى أن ينضم كل من هؤلاء المرشحين إلى حزب من الأحزاب القائمة، كالتجمع مثلا أو الوفد، ثم يقوم هذا الحزب بترشيحه لرئاسة الجمهورية؟ ولكن الأحزاب القائمة كلها لا تتمتع بعدد المقاعد اللازمة، وبعضها يبدو فى حالة وئام شديد مع الحزب الحاكم، فلا أظن أنها تجرؤ على ترشيح شخص آخر غير مرشح الحزب الحاكم إلا من باب مقتضيات الديكور إذا طلب منها الحزب الحاكم ذلك. أم هل يقوم المرشح بالاتفاق مع جماعة الإخوان المسلمين وهى جماعة محظورة قانونا، ولا ينتظر منها الحصول على عدد كاف من المقاعد بالنظر إلى ما تتعرض له من تشريد هو على الأرجح لمنعها من الاشتراك فى انتخابات الرئاسة. أم أن المقصود أن يقوم المرشح بتكوين حزب جديد ينافس به الحزب الحاكم؟ فهل لهذا التصور أى فرصة جدية للتحقق فى ظل القيود المفروضة على تكوين أحزاب جديدة، بل وفى ظل ظروف هؤلاء المرشحين أنفسهم وميولهم الشخصية وتاريخهم.. إلخ.
أضف إلى كل ذلك أنه، مع احترامى الشديد لمعظم الأسماء التى ذكرت فى الترشيح للرئاسة، هل المشكلة هى حقا فى العثور على اسم رجل عظيم يصلح رئيسا للجمهورية، أم أن البلد ملئ بهؤلاء الرجال و(النساء) العظماء الذين لم يمنع من أن يسمع لهم صوت أو أن يخطر ببال أحد (أو حتى ببالهم هم أنفسهم)، أن يرشحهم لانتخابات الرئاسة أو أى انتخابات أخرى، إلا الجو السياسى الخانق الذى نعيش فيه منذ أكثر من ربع قرن؟ إن هذا الجو الخانق الذى عشنا فيه طوال هذه المدة هو الذى جعلنا نظن أن البلد قد أقفرت من الرجال العظام، بحيث يظن الواحد منا أنه قد اكتشف اكتشافا خطيرا لو خطر بباله اسم مصرى عظيم يصلح رئيسا، بل وجعل أذهاننا تتطرق إلى أسماء رجال عظام حقا، ولكنهم عظماء فى مجال تخصصهم ولكنهم ليسوا بالضرورة سياسيين عظاما.
ما الذى جرى لنا حتى نسينا معنى الهواء الطلق الذى تطرح فيه كل الآراء للمناقشة، وكل الناس يتكلمون وكل الجمعيات تتكون، وأى مظاهرات تسير وتهتف، فلا نضطر إلى الاستسلام لأفكار أشبه بأحلام اليقظة، مثل التساؤل: «ألا يكون الحال بديعا لو جاء البرادعى رئيسا للجمهورية؟»، أو مثل «تصور لو أتى الدكتور محمد غنيم ففعل فى إدارة مصر ما فعله فى إدارة مركز الكلى بالمنصورة؟».. إلخ.
من أدراك فى الأصل أن النظام الحالى يمكن أن يسمح لهذا الرجل أو ذاك ولو حتى بالتفكير فى أن يصبح رئيسا للجمهورية؟.